للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فإنْ فعَله مع السَّرية جاز).

وفي المبسوط: "فالسَّرية عدد قليل يَسيِرون باللَّيل، ويكمنون بالنهار، فالجيش هو الجمع العظيم الَّذي يَجيش بعضهم في بعض؛ قَال -عليه الصلاة والسلام-: "خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربع مائة، وخير الجيوش أربعة آلآف" (١) " (٢)، فكان التنفيل للسَّرية تنفيلًا لبعض الجيش، فيجوز.

(إلا من الخُمُس) (لأنَّه لا حقَّ للغانِمين في الخُمُس).

فإنْ قلتَ: إِنْ لم يكن فيه حقُّ الغانمين، وَلكن فيه حقّ الأصناف الثلاثة، فكان فيه إبطال لحقوق الأصناف الثلاثة، وَإِنْ لم يَكُن فيه إبطال حقِّ الغانمين، وذلك لا يجوز أيضًا على ما ذكرتَ من رواية السِّيَر الكبير.

قلت: "إنَّما جاز هذا باعتبار أَنَّ المنفَّل له جُعِل واحدًا من الأصناف الثلاثة، فَلَمْ يكن فيه حينئذٍ إبطال حقِّ الأصناف الثلاثة؛ إذ يجوز صرف الخُمُس على أَحَد الأصناف الثلاثة" (٣) على ما ذكرنا من رواية التُّحفة (٤)، وكذا أيضًا في المبسوط (٥).

والدَّليل على صحَّة هذا القول ما ذَكره الإمام شمس الأئمة السرخسي في السِّيَر الكبير: "لا بأس بأنْ يُعطي الإمام الرَّجلَ المحتاج، إذا أبلى، مِن الخُمُس ما يُعينه ويجعله نفلًا له بعد الغنيمةلأنَّه مأمور بصرف الخُمُس إلى المحتاجين، وهذا محتاج، وإذا جاز صرفه إلى محتاج لم يقاتِل، فَلَأَنْ يجوز صرفُه إلى محتاج قاتَل وأبلى بلاءً حسنًا كان أولى؛ وهو نظير مَن وَجد ركازًا (٦) فرآه الإمام محتاجًا، وصَرف الخُمس إليه، فإنَّ ذلك يجوز" (٧).

قلت: فعلى هذا ينبغي أنْ لا يجوز التَّنفيل بالخُمس للأغنياء، وبه صرَّح في الذخيرة، فقال: ولا ينبغي للإمام أنْ يضَع ذلك في الغَني، ويجعل نفلًا له بعد الإصابة؛ لأنَّ/ الخُمسَ حقُّ المحتاجين، لا حقَّ الأغنياء، فجَعْله للغني إبطال حقِّ المحتاجين (٨).


(١) أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا، برقم (٢٦١١) ٤/ ٢٥٢، والترمذي في سننه، باب ما جاء في السرايا، برقم (١٥٥٥) ٤/ ١٢٥، رواه أبو يعلى، وفيه حبان بن علي، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (٥/ ٢٥٨).
(٢) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٤).
(٣) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٥١١)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٨١).
(٤) ينظر تحفة الفقهاء (٣/ ٣٠٢ - ٣٠٣).
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (٣/ ١٨).
(٦) الركاز: قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض أو المعدن. المحكم والمحيط الأعظم (٦/ ٧٣٩).
(٧) السير الكبير (٢/ ٦٠٧).
(٨) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٥١١)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٨١).