للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(فلو لم تَكن لَه (١) علامة مميِّزة فلعله الذمي يعامَل معامَلة المسلِمين)، وربَّما يموت منهم أحَد فَجْأة، أي (٢): في الطَّريق، فإذا لم يَكُن معه عَلامة يظنُّونه مسلِمًا فيَصنعون به ما يصنعون بموتى المسلمين، والتَّحرُز عَن ذلك واجب في حقِّ الكفَّار.

فإنْ قيل: أليس أنَّالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- لم يَأخُذ بذلك يهودَ المدينة ولا نَصارى نجران ولا مجوس هجر؟ قلنا: لأنَّهم في زمن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كانوا معروفِينَ بالمدينة، لا يشتبِه حالُهم، فكان لا تقع (٣) الحاجة إلى ذلك ثُمَّ في زَمَن عمر -رضي الله عنه- لما كثر [الناس] (٤) ممَّن يُعرف وممَّن لا يُعرَف، ووَقعت (٥) الحاجة إلى ذلك، وكان ذلك صوابًا فيه. وقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: "أينما دار عمر فالحقُّ معه" (٦) (٧) كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي في الجامع الصَّغير.

(وصيانة لِضَعَفَةِ المسلمين)

المراد مِن الضَّعف، هو الضَّعف في الدِّين لا الضَّعف في البَدَن، أي: إِنَّما أُخذ أهل الذِّمة بما يورِث عليهم الصَّغار والذِّلة بأنْ لا يركبوا الخيل ولا يحمل السَّلاح وبالركوب على الأُكُف دون سروج (٨) الخيل، وتَرْك الابتداء بالسَّلام، وتضييق الطُّرق عليهم، لكي يُروا في أعيُن الَّذين لم يتصلبوا في دين الإسلام على وجه الصَّغار والذِّلة حتَّى لا [يقولوا] (٩) أنَ الكفَّار يتقلبون في النِّعمة والدَّعة، والمؤمنين في المِحنة والضَّعة، وأنْ لا يميلوا إلى الكُفر [بسبَب] (١٠) سعتهم ورونَق


(١) ساقط من (ب).
(٢) ساقط من (ب).
(٣) في (ب) "يقع".
(٤) ما بين معقوفين من (ب).
(٥) في (ب) "ووَقفت".
(٦) قال العجلوني في كشف الخفاء (١/ ٣٦٤): "الحق بعدي مع عمر حيث كان"، قال الصغاني: موضوع انتهى. وأقول رواه في الجامع الكبير عن الحكيم الترمذي، وابن عساكر عن الفضل بن عباس بلفظ "الحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان" انتهى.
أخرجه الطبرانى (١٨/ ٢٨٠، رقم ٧١٨)، قال الهيثمى (٩/ ٢٦): "فيه من لم أعرفهم". وابن عساكر (٤٤/ ١٢٦)، وأخرجه أيضًا: الطبرانيفى الأوسط (٣/ ١٠٤، رقم ٢٦٢٩)، والديلمى (٣/ ٥٦، رقم ٤١٤٧).
ويغني عنه ما أخرجه أبو داود (٢٩٦١)، والترمذي وغيرهما: عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه". وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر، أو قال ابن الخطاب فيه، شكّ خارجة، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر.
(٧) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٨١)، العناية شرح الهداية (٦/ ٦١)
(٨) في (ب) "سرج".
السرج: رحل الدابة، والجمع: سروج، وأسرجها: وضع عليها السرج. والسراج: بائع السروج وصانعها،
وحرفته السراجة. المحكم والمحيط الأعظم (٧/ ٢٦٩).
(٩) في (أ) "تقولوا".
(١٠) في (أ) "لسبب".