للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لأنَّ الإهدار لا يلْحقه الاعتبار) أي: إذا لَم يَقع معتبرًا لا يكون معتبرًا أبدًا لأنَّ غير الموجِب لا ينقلِب موجِبًا.

(أما المعتبر قد يهدر بالإبراء) وكذلك بالإعتاق وكذلك بالبيع. وقد ذَكر في الفؤائد الظهيرية: رجل قطع يدَ عبدِ إنسانٍ ثُمَّ باعه مولاه، ثُمَّ رُدَّ عليه بالعيب، ثُمَّ مات العَبد مِن القطع، فإنَّ الجاني لا يضمَن للبائع ضمانَ النَّفس (١) لأنَّه لما باعه قَد أَبرأَه عَن ضمَان السِّراية مِن حيث المعنى.

(ومعناه إذا قُضي بلحاقه).

وأمَّا إذا لم يقضِ القاضي بلحاقه حتَّى عاد مسلمًا، فالصَّحيح أنَّه على الخلاف لأنَّ قضاء القاضي إذا لم يتَّصل بلحاقِه فهو بمنزلةِالغَيبة في بقاء أملاكه، وحقوقه إنْ كان مسلمًا (٢)؛ كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي.

(فإنْ لم يلحق، وأسلم) أي: قطع يد المسلم، ثم ارتدّ ولم يلحق بدار الحرب، ثم أسلم (ثم مات … ) إلى آخره (٣).

(لأنَّ اعتراض الردَّة أَهدر السِّراية فلا ينقلِب إلى الإسلام بالضَّمان) لأنَّ الردَّة معنى لو مات عليه لم يجب بالسِّراية شيء، وكذلك إذا لم يمت عليه كعبد قُطِعت يدُه ثُمَّ باعه المولى ثم اشتراه، أو تناقضا البيع ثم مات لم تَجب إلا دية اليد، كما لو مات على البيع؛ لأنَّ البيع معنى لو مات عليه لم يجب بالسِّراية شيء؛ ولأنَّ البيع معنى يقطع ملكه في النفس مع قيام النفس محترمة، والردَّة تبطل حقُّ النَّفس أصلًا؛ إلا أنَّا نقول: "إنَّ الردَّة لَيست بإبراء عن ضمان الجناية وضعًا ولا شرعًا، بل هي لتبديل الدَّين. ألا ترى أنَّها تصحُّ من غير إبراء إلَّا أنَّه إذا مات على ذلك لم يجب الضَّمان لهدر دمِه بالرِّدة بخلاف ما إذا باع العبد المجني عليه؛ لأنَّ البيع وضع لقطع ملكه، والضَّمان بدَل ملكه، فإذا قطع الأصل قصدًا فُقد قطع البدل أيضًا فصار كالإبراء" (٤)؛ كذا في الأسرار.

(وحالة البَقاء بمعزِل من ذلك) أَي: مِن انعقاد السَّبب و [ثبوت] (٥) الحكم، فلا يُعتبر بقاء العِصمة في هذه الحالة، كما لا يُعتبر في باب الزَّكاة نقصانُ النِّصاب في خلال الحول، وصار كقيام الملك في حال بقاء اليمين، فإنَّه إذا قال لعبده: إنْ دخلتَ الدَّار فأنتَ حرٌّ؛ ثُمَّباعه، ثُمَّ اشتراه، ثُمَّ دخل الدَّار عَتَق. أمَّا لو عدم الملك عند اليمين، أو عند الحنث لم يعتق. هذا هو الحكم في المقطوعة يده.


(١) ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٥/ ١٤٨).
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٨).
(٣) تمام كلامه "فعليه الدية كاملة". الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٤١٠).
(٤) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٩١)، ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٩٠).
(٥) في (ب) "بثبوت".