للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وإنْ كان القاطع هو الذي ارتدَّ فقُتل، ومات المقطوعة يده من قطع اليد مسلمًا، فإنْ كان عمدًا فلا شيء له؛ لأنَّ الواجب في العمد القَوَد (١)، وقد فات محلُّه حين قُتِل على ردَّته أو مات. وإنْ كان خطأ فعلى عاقلة (٢) القاطع دِيَة النَّفس؛ لأنَّه عند الجناية كان مسلمًا، وجناية المسلم، إذا كانت خطًا، على عاقلته، وتبيَّن بالسِّراية أنَّ جنايته كانت قتلًا، فلهذا كان على عاقلته دية النَّفس. وإنْ كانت الجناية منه في حال ردَّته كانت الدِّية في الخطأ في ماله لما بيَّنا أنَّ المرتد لا يعقل جنايته أحد" (٣)؛ كذا في المبسوط.

(وهذا على أصلهما ظاهر) لأنّ كسب الردّة ملك المرتدّ، بمنزلة كسب الإسلام، وإنَّما يُشكل على قول أبي حنيفة لأنّ عنده كسب الردَّة لا يكون ملكًا للمرتدّ إذا كان حرّا، وجعله ملكًا إذا كان مكاتَبًا. وَوَجْهُه أنّ المكاتب إنّما اختصّ بإكسابه بعقد الكتابة، وعقد الكتابه لا يبطل بالردّة لأنّه لا يبطُل بحقيقة الموت، فلا يبطل باللِّحاق الذي هو شبهة الموت، وحاصله كونه في دار الحرب ككونه في دار الإسلام لأنّ قيام ملك المولى في رقبته يَمنع صيرورته حربيًا، ويجعله في حكم المتردِّد في دار الإسلام (٤)؛ كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمة، وقاضي خان.

فإنْ قلتَ: سلَّمنا أنّ المكاتب يملك إكسابه وإنْ كان مرتدًّا، لكنْ لما قُتل عن وفاء كان حرًّا في آخِر جُزْء مِن أجزاء حياته، كما هو مذهبنا ثم تستنِد حريته إلى ما قبل الموت حتّى يحكم بِحُريّة أولاده الموجودين في حال كتابته، فيحينئذٍ كان ما اكتسبه في حال الارتداد كسب الحرّ المرتدّ، فيجب أنْ يكون فَيئًا (٥) على قول أبي حنيفة.

قلتُ: ذلك جواب القياس، وأمّا جواب الاستحسان فهو ميراث لورثته لأنَّا حكمنا بِحُريته بالأداء/ بعد الموت في الحقوق المستحقَّة بالكتابة، وذلك حرِّيته، وحرية أولاده، وحقيقة الملك له في المكاسب، وفيما عدا ذلك يعتبر (٦) ميتًا عبدًا. ألا ترى أنّه لا تُنفَّذ وصيتُه وإنْ مات عن وفاء لأنَّها ليست من الحقوق المستَحقَّة بالكتابة، وإذا كان كذلك فنقول في حقّ عدم صيرورته فَيئًا يجعل كأنّه مات عبدًا، وكسب العبد المرتدّ لا يكون فيئًا (٧)؛ كذا في الفوائد الظهيرية.


(١) القَوَدُ: القصاصُ، وأقَدْتُ القاتلَ بالقتيل، أي قتلته به. يقال: أقادَهُ السلطانُ من أخيه. واسْتَقَدْتُ الحاكمَ، أي سألته أن يَقيدَ القاتلَ بالقتيل. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٢/ ٥٢٨).
(٢) عاقلة الرجل: عصبته، وهم القرابة من قبل الأب الذين يُعطونَ دِيَةَ من قتله خطًا. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٥/ ١٧٧١).
(٣) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٨).
(٤) ينظر المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٣٥).
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٣٤).
(٦) في (ب) "تعتبر".
(٧) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٩١).