للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِهبة منه/ صحيح؛ لأنّه منفعة محضة وردُّها باطل لأنَّه مضرَّة فكيف يُقاس الردّة على الإسلام.

قلت: نَحكم بصحَّة ردَّته استحسانًا لِعلَّتها لا لحكمها، فإنَّ من ضرورة اعتبار منفعة الإسلام والحكم بصحته اعتبارَ ردَّته بناء عليه، وهذا منا اعتبار للشيء بعد وجود حقيقته، فبعد ذلك لا يُعتبر أنَّه منفعة للصَّبي أو مضرَّة. وهذا لأنّ الردَّة منه جهل بخالقه، وجهله في سائر الأشياء معتبَر حتَّى لا يُجعل عارفًا، فإذا علم جهله به، فكذلك جهله بربِّه؛ فبهذا يُعلم أنَّ قياس الردَّة بالإسلام صحيح مِن حيث أنّ في كلٍّ (١) منهما اعتبارًا للشيء بعد وجود حقيقته، وبعُذْر الصَّبى لا يجعل ما وجد منه حقيقةً أنَّه غير موجود. أَلا ترى أنَّ الصَّبي إذا صام ثم أَكل عَمدًا ينعدم الصَّوم لوجود حقيقة الأكل، ولا يعذر بعُذر الصّبا، ولأن مِن ضرورة كونه أهلًا للعقد أهلًا لرفعه، كما أنَّه لما صار (٢) أهلًا بعقد الإحرام والصّلاة كان (٣) أهلًا للخروج منه، وإنما لم يصحَّ منه ردُّ الهبة لِما فيه مِن نقل الملك إلى غيره. ألا ترى أنَّ ضرر الردَّة يَلْحقه بطريق التَبَعية إذا ارتدَّ أبواه ولَحِقا به (٤) بدار الحرب، وضرَر ردِّ الهبة لا يلحقه مِن جهة أبيه، فيجب أنْ لا يلحَقه أيضًا من جهة نفسه (٥) أيضًا، فبهذا يتضِّح الفرق بينهما (٦).

(إلا أنَّه يُجبَر على الإسلام ولا يُقتل) هذا جواب الاستحسان. وفي القياس يُقتَل لارتدادِه بعد إسلامه. جِنس هذه المسألة في أربعة مواضع:

أحدها: في الّذي أسلم تبَعًا لأبويه إذا بلغ مرتدًّا، ففي القياس يُقتل لما ذكرنا، وفي الاستحسان لا يُقتل لأنَّه ما كان مسلمًا مقصودًا بنفسه، وإنما يثبت له حكم الإسلام تبعًا لغيره، فيصير ذلك شبهةً في إسقاط القَتل عنه، وإنْ بلغ مرتدًّا.

والثاني: إذا أسلم في صِغَره ثم بلغ مرتدًّا فهو على هذا القياس والاستحسان لقيام الشبهة بسبب اختلاف العلماء في صحَّة إسلامه في الصِّغَر.

والثالث: إذا ارتدّ في صِغَره.

والرابع: المكرَه على الإسلام إذا ارتدَّ، فإنَّه لا يُقتل استحسانًا لأنّا حَكَمنا بإسلامه باعتبار الظَّاهر، وهو أنّ الإسلام مما يَجِب اعتقاده، ولكن قيام السّيف على رأسه دليلٌ على أنَّه غير معتقد، فيصير ذلك شبهة في إسقاط القَتل عنه، وفي جميع ذلك يجبر على الإسلام، ولو قتله قاتل قبل أنْ يسلم لا يلزمه شيء (٧)؛ هذا كله من المبسوط.


(١) في (ب) "كل واحد".
(٢) في (ب) "كان".
(٣) ساقط من (ب).
(٤) ساقط من (ب).
(٥) في (ب) "من جهة نفسه أيضا".
(٦) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٢٢).
(٧) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٢٣).