للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنْ قيل: لو صحّ إسلامه بنفسه كان ذلك منه فرضًا لاستحالة القول لكونه متنفلًا في الإسلام، ومِن ضرورة كونه فرضًا أنْ يكون مخاطبًا به، وهو غير مخاطَب بالاتفاق، فإذا لم يمكن تصحيحه فرضًا لم يصح بخلاف سائر العبادات، فإنَّه يَتردد بين الفرض والنفل (١)، وبخلاف ما إذا جُعل مسلمًا تبعًا لغيره لأنّ صفة الفرضية في الأصل مغنية عن اعتباره في التبع؛ ولأنَّه لو لم يصف الإسلام بعدما عقل لا تقع (٢) الفرقة بينه وبين امرأته، ولو صار عقله معتبرًا في الدِّين لوقعت الفُرقة إذا لم يحسن أن يصف كما بعد البلوغ.

قلنا: إنَّما لم يكن مخاطَبًا بالأداء لدفع الحرج عنه إذا امتنَع، وهذا يدلُّ على أنَّه يحكم بصحَّته إذا (٣) أدَّى باعتبار أنّ عند الأداء يُجعل الخطاب كالسَّابق للتَّحصيل (٤) المقصود، و (٥) كالمسافر لا يخاطب بأداء الجمعة، وإذا (٦) أدَّى يقع ذلك منه فرضًا بهذا الطَّريق؛ وهذا لأنَّ عدم توجُّه الخطاب بالإسلام لدفع الضَّرر، ولا ضرر عليه إذا أدرج الخطاب بهذا الطريق، بل تتوفَّر عليه المنفعة مع أنَّه يحكم بإسلامه لوجود حقيقته مِن غير أنْ يتعرَّض لصفته وإنَّما لا تبين زوجته منه إذا لم يحسن أنْ يصف بعدما عقل لبقاء معنى التبَعية ولتوفير معنى المنفعة عليه.

و (٧) أمَّا قوله: (أنّه تبَع لأبويه فيه فلا يجوز أصلًا) قُلنا: إنَّما جُعِل تبعًا لتوفير المنفعة عليه "وفي اعتبار معرفته بنفسه بطريق الأصالة مع إبقاء التَّبعية معنى توفير المنفعة؛ لأنَّه ينفتح عليه باب تحصيل هذه المنفعة بطريقين، فكان ذلك أنفع له. وإنَّما يمتنع الجمع بين معنى التَّبعية والأصالة إذا كان بينهما مضادة، فأمّا إذا تأيَّد أحدُهما بالآخر فذلك مستقيم، كالمرأة إذا سافرت مع زوجها ونَوَتْ السَّفر، فهي مسافرة بنيتها مقصودة، وتبعًا لزوجها أيضًا" (٨)؛ هذا كلُّه في المبسوط.

ولا مردَّ للحقيقة (كما قُلنا في الإسلام).

فإنْ قلتَ: هذا قياس عند عدم شرط صحَّة القياس، فلا يصح. وذلك لأنّ الردّة ليست نظيرة الإسلام، وهو ظاهر، لأنّ الإسلام منفعة مَحضَة، والردَّة مضرَّة محضة، ولا يلزم مِن تحقُّق ما هو منفعة محضة تحقُّق ما هو مضرَّة محضة، وإنْ كان بعد وجود حقيقته ألا ترى أنّ قبول


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٢٠)، العناية شرح الهداية (٦/ ٩٦)، البناية شرح الهداية (٧/ ٢٩٥).
(٢) في (ب) "يقع".
(٣) في (ب) "إذ".
(٤) في (ب) "لتحصيل".
(٥) ساقط من (ب).
(٦) في (ب) "وإذ".
(٧) ساقط من (ب).
(٨) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٢٢).