للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(إلا أنَّه بإباحة من جهة الشرع وهذا لا ينافي الضمان) وهذا لجواب سؤال يرد على دليل الضَّمان، وذكر السُّؤال والجواب في المبسوط وقال: "فإن قيل: كيف يضمنها له وقد تصدق بها بإذن الشرع؟ قلنا: الشَّرع أباح التصدُّق بها، وما التزَمَه (١) ذلك، ومثل ذلك الإذنُ مسقطٌ للإثم عنه غَير مسقِطٍ لحقٍّ محترَم للغير، كالإذن في الرَّمي إلى الصيد، والإذن في المشي في الطريق، فإنّه يتقيَّد بشرط السَّلامة، وحقُّ صاحب المال في هذا المال مرعيّ محتَرم، فلا يسقط حقُّه عن هذا العَين بهذا الإذن، فله أنْ يُضَمِّنه إنْ شاء، والإذن ههنا دون الإذن لمن أصابته المخْمَصة في تناول مال الغير، وذلك غير مسقِط للضّمان الواجب لحقِّ المال" (٢).

(وإن شاء ضمَّن المسكين) قال في السِّير الكبير: والحكم الأصلي في اللُقَطة يجدها إنسان أو يجدها القاضي أنْ يمسكها على صاحبها، فيضَعها الإمام في بيت المال إلى أنْ يجيء صاحبها، وبعد ما تمَّمدة التَّعريف فالتصدُّق بها رخصةٌ إذا مالَ القاضي إلى التصدُّق وتصدَّق، كان في ذلك كواحِدٍ مِن الرعايا (٣)، وهذا لأنّ التصدُّق بها غير داخل تحت ولايةِ الإمام؛ لأنَّه تصدُقٌ بمال الغير بغير إذنه، وهو ليس بداخل تَحت ولاية الإمام، وفي مثل ذلك (٤)، فالإمام بمنزلة واحدٍ من الرعايا.

وإن كانت اللُقطَة شيئًا يُخاف عليها الفَساد فالقاضي فيها بالخيار؛ إنْ شاء تصدَّق بها على المساكين، وإنْ شاء باعها. فإن (٥) حضر صاحبُها بعد ما باعها القاضي أخَذ الثَّمن، ولم يكُن له أنْ يضمِّن القاضي لأنَّ بيعه كان على وجه الحكم لأنَّه خاف الفساد على مال الغائب، وحفظ مال الغائب داخل تَحت ولاية القاضي بطريق النَّظر. وكلُّ تصرُّف في مال الغائب دخل تحت ولاية القاضي صار القاضي فيه كالنائب عن الغائب، وهناك لا ضمان على القاضي كذا ههنا، وبعد ما باع القاضي اللُّقطة وأخَذ الثَّمن كان حكم الثَّمن حكم المبيع يمسكُه القاضي إلى أنْ يجيء صاحبه، وإن رأى التصدُّق به فعل، وإنْ جاء صاحبه، ولم يُجِز صدقتَه كان له أنْ يضمِّنه على ما ذكرنا (٦)؛ كذا في الذخيرة.


(١) في (ب) "ألزقه".
(٢) المبسوط للسرخسي (١١/ ٣ - ٤).
(٣) شرح السير الكبير (ص: ١١٤٥).
(٤) في (ب) "هذا".
(٥) في (ب) "وإن".
(٦) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ١١).