للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"السّائبة": هي النّاقة التي تُسيَّب لنذر، وكان الرّجل يقول: إذا قدِمت من سفري، أو برئتُ من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبَحيرة في تحريم الانتفاع، يعني: أنّ الوقف بمنزلة تسييب أهل (١) الجاهلية، مِن حيث إنّه لا يخرج به العَين مِن أنْ تكون مملوكةً منتفعًا بها، ولو سيّب دابَّته لم يخرج من ملكه، فكذلك إذا وقف أرضه، أو داره.

وقد استبعد محمّد قول أبي حنيفة في الكتاب، ولهذا سمّاه تحكُّمًا على النَّاس من غير حجَّة فقال: ما أخذ النّاس بقول أبي حنيفة سوى (٢) أصحابه (٣) إلا بتركهم التحكُّم على النّاس، فإذا كانوا/ هم الّذين يتحكَّمون على النَّاس بغير أثرولا قياس لم يقلدوا هذه الأشياء، ولم يحمد على ما قال. وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره ولم (٤) يتمكّن من تفريع مسائل الوقف، واستكثر أصحابه بعده من تفريع مسائل الوقف، كالخصاف (٥)، وهلال، ولو كان أبو حنيفة في الأحياء حين قال ما قال (٦) لدمّر عليه كما قال مالك: لرأيت (٧) رجلًا لو قال: هذه الاسطوانة من ذهب لدل عليه، ولكن (٨) كلُّمجرٍ بالخلاء يُسَر (٩)؛ كذا في المبسوط.

وقوله: في لفظ المبسوط: كلُّ مُجْرٍ بالخلاء يُسَرّ، يقال: جرى العرس، وأجراه صاحبه، وتُروى كل مُجيد أي: صاحب جواد، وهذا مثَل يضرب لمن يفرح بماله من محمدة تُرى له عند عدم المعارض.

قوله: (إلّا أنْ يحكم به الحاكم) وصورة حكم الحاكم ما ذكر في فتاوى قاضي خان وهي: إنْ سلّم (١٠) الواقف ما وقفه إلى المتولّي ثم يريد أنْ يرجع عنه فينازعه بعلّة عدم اللُّزوم فيختصمان إلى القاضي، فيقضي القاضي بلزومه، وإنْ (١١) حكَّما رجلًا فحكم بينهما بلزوم الوقف اختلفوا فيه، والصَّحيح أنّبحكم الحاكم لا يرتفِع الخلاف وللقاضي أن يبطِله (١٢).


(١) ساقط من (ب).
(٢) ساقط من (ب).
(٣) في (ب) "وأصحابه".
(٤) في (ب) "فلم".
(٥) هو: أحمد بن عمر بن مهير الشَّيْبَاني، أبو بكر المعروف بالخصاف: فرضيّ حاسب فقيه. كان مقدما عند الخليفة المهتدي باللَّه، فلما قتل المهتدي نهب فذهب بعض كتبه، وكان ورعًا يأكل من كسب يده. توفي ببغداد سنة (٢٦١ هـ). له تصانيف منها (أحكام الأوقاف) و (الحيل) و (الوصايا) و (الشروط) و (الرضاع) و (المحاضر والسجلات) و (أدب القاضي) كما في تذكرة النوادر، و (النفقات على الأقارب) و (درع الكعبة) و (الخراج). الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٨٨)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٩٧)، الأعلام للزركلي (١/ ١٨٥).
(٦) قوله "ما قال" ساقط من (ب).
(٧) في (ب) "رأيته".
(٨) مكرر في (ب).
(٩) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٢٨).
(١٠) في (ب) "أن يسلم" بدل "إن سلم".
(١١) في (ب) "فإن".
(١٢) ينظر فتاوى قاضي خان (٣/ ١٥٩).