للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(والمراد بالحاكم المولى) أي: الّذي ولّاه الخليفة عمل قضاء، وأمّا المحكَم، وهو الذي فُوّض إليه الحكم في حادثةٍ معينة باتفاق المتخاصمينلأنّ التمليك من الله تعالى، وهو مالك الأشياء لا يتحقّق مقصودًا، إنّما يتحقَّق ضِمنًا، كما في الزكاة تكون تملّكًا (١) لله تعالى بواسطة كون المال ملكًا للفقير.

(وإذا صح الوقف على اختلافهم)

أمّا عند أبي حنيفة فإنّه جائز غير لازم إلّا عند حُكم الحاكم أو تعليقه بالموت، وعند أبي يوسف بمجرّد القول، وعند محمّد بالقول والتّسليم إلى المتولِّي أو بشروط ثلاثة على ما ذكرنا من رواية شرح الطحاوي (٢).

(خرج من ملك الواقف ولم يدخل في ملك الموقوف عليه) كإمام المسجد وغيره.

(بل ينفّذ بيعه) أي: بيع الموقوف عليه.

أي: لو دخل في ملكه لنفذ بيعه، فلا ينفذ بالاتفاق فيما إذا ثبت خروج الوقف عن مُلك الواقف بالاتّفاق (٣)، وذلك عند حكم الحاكم؛ ولأنَّه لو ملكه لما انتقل عنه إلى قوله: (كسائر أملاكه) أي: كسائر أملاك (٤) الموقوف (٥) عليه. تفسير هذا الكلام أي: لو ملك الموقوف عليه يجب أنْ لا ينتقِل عنه إلى الفقراء بشرط المالك الأوّل، وهو الواقف بقوله: وهذا الوقف بعد هذا الموقوف عليه للفقراء، فإن شرطه هكذا يصحُّ بالاتِّفاق (٦) على ما يجيء في قوله: (ولو وقف وشرَط البعض) إلى أنْ قال: (فإذا ماتوا فهو للفقراء).

وقوله: (خرج عن ملك الواقف) "فإنْ قيل: الوقف تصدُق بالغَلّة، لا خروج أصله عن ملك الواقف، فإنّه لو خرج أصله لما صح شرْطه في صرف الغَلَّة كما إذا أعتق (٧) عبده بشرط أنْ يصرِف غَلَّته إلى كذا، أو جعل أرضه مسجدًا بشرط أنْ يصلي فيه فلان دون فلان، أو وَهَب بشرط أنْ لا يباع، والتصدُّق بالغَلَّة المعدومة لا يجوز إلَّا أْن تكون (٨) وصيةً، وهو دليل على بقاء أصل الغَلّة وهو الأرض على ملك الموصي، فكذا هنا.

قلنا: إنّا وجدنا القربان يصير لله تعالى بالإراقة، ثُم صاحبه يتصرَّف فيه بالأكل، والإطعام، والتَّصدُّق به بتولية الشّرع لكونه هو المتقرَّب به، فكان جائزًا أنْ يكون إلى الواقف، ولأنَّه بيان المصارف لكونه هو الواقف لا لبقاء أصلِه على مُلكه بخلاف العتق؛ لأنّ العبد يصير مستحقًا بنفسه، ومالكًا لمنافعه، فلا يعمل فيه تصرُّف غيره وكذلك الهبة. وأمَّا المسجد فالأصل فيه الكَعبة والمسجد الحرام، وفيه سواء العاكف فيه والبادي، فعلمنا أنّ الله تعالى لم يُوَلّ التّخصيص إلى الّذي جعله مسجدًا وألحَقَه بالمسجد الحرام والكعبة" (٩)؛ كذا في الأسرار.


(١) في (ب) "ملكا".
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١٢/ ٣٤).
(٣) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٢١٠)، البناية شرح الهداية (٧/ ٤٣٢).
(٤) في (ب) "الأملاك".
(٥) ساقط من (ب).
(٦) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٤٤٨).
(٧) في (ب) "أعتقه".
(٨) في (ب) "يكون".
(٩) الأسرار (٣/ ٣٠٦ - ٣٠٧).