للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: أما الجواب عن الأول فإن الزوج إنما يلزمه حكم الطلاق بإيجابه، وذلك فوق رضاه وعلمه، فكان بمنْزلة ما يلزم الموكل بتصرف الوكيل، فأما ههنا فلا إيجاب من جانب المشروط عليه الخيار؛ لما ذكرنا أن حكم الشرط في الخيار لا يثبت حكم العقد في حق المشروط له إلا باختياره، وإنه إنما يملك الفسخ بحكم أن العقد غير لازم لا بإيجاب آخر، ومتى بطل التسليط ههنا صارت هذه المسألة كمسألة عزل الوكيل (١)، وههنا يتوقف على العلم فكذا هنا، وأما (٢) عن الرجعة فإن الزوج بالرجعة لا يلزمها حكماً جديداً؛ لأن الطلاق الذي يثبت به الرجعة لا يرفع النكاح، فكان النكاح ثابتاً بحاله قبل الرجعة، وإنما يثبت البينونة عند انقضاء العدة بشرط عدم الرجعة من الزوج في مدة العدة المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط، وكلامنا في إلزام الحكم الجديد الذي لم يكن قبل الإلزام شيء من ذلك الحكم، فلا يثبت له ولاية هذه الإلزام إلا بعلمه، كما في الموكل يعزل وكيله.

وأما عن الطلاق ونحوه فإنه من الإسقاطات، فلا يلزم من أسقط عنه شيء كإسقاط الحمل عن الدابة، لا يكون إلزاماً، إنما اللزوم في جانب من أسقط، بأن ذهب ملكه، وكلامنا في الحكم الذي يلزم عن (٣) الآخر، فإنه يتوقف عن (٤) علمه، كما يتوقف (٥) عزل الوكيل إلى علمه، وأما خيار الأمة المعتقة، فإنها مسألة لا رواية فيها (٦)، ثم الجواب عنها إن سلمنا أن الخيار يثبت لها بتخير الشرع إياها، فصار كما لو ثبت بتخير الزوج؛ (٧) لأن للشرع ولاية عليها (٨)، وقد مرَّ وجه تخير الزوج.


(١) قال في الدر المختار: "الوكالة من العقود الغير اللازمة، كالعارية، فلا يدخلها خيار شرط، ولا يصح الحكم بها مقصوداً، وإنما يصح في ضمن دعوى صحيحه على غريم، وبيانه في الدرر فللموكل العزل متى شاء، ما لم يتعلق به حق الغير" الدر المختار (ص: ٥٠٧).
(٢) " يجئ " زيادة في (ب).
(٣) "على" في (ب).
(٤) "على" في (ب).
(٥) "لزوم" زيادة في (ج).
(٦) "بل جاء فيه حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في عتق بريرة، وتخيرها من زوجها، وقصة بربرة شهيرة جداً، أخرجها كثير من العماء، منها رواية القاسم بن محمد - المتفق عليها - عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كانت في بريرة ثلاث سنين أراد أهلها أن يبيعوها، واشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «اشتريها وأعتيقها؛ فإن الولاء لمن أعتق» وعتقت، فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زوجها، فاختارات نفسها، وكان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-. فقال: «هو عليها صدقة ولنا هدية». تحقيق الأسرار للدبوسي، رسالة دكتوراة لمؤلفها شرف الدين علي قالاى، جامعة أم القرى.
البخاري، كتاب الطلاق، باب لا يكون بيع الأمة طلاقاً، رقم (٥٢٧٩) و (٧/ ٤٧) ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، رقم (١٥٠٤) و (٢/ ١١٤٣).
(٧) "وأما مسألة" زيادة في (ج).
(٨) سقط من (ب).