للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: أراد به خيار الشراء.

قلنا: هذا الخيار إن تعلق بالرؤية فلا يتعلق برؤية مشتر لم يره، والنبي -صلى الله عليه وسلم- علقه [برؤيته، فعلم به أنه] (١) خيار يتعلق برؤيتة خاصة، وذلك خيار الرؤية (٢) والإجازة، كذا في المبسوط والأسرار (٣).

(فصار كجهالة بالوصف (٤) العاين (٥) في المشار إليه)

بأن اشترى ثوباً مشاراً إليه غير معلوم عدد ذرعانه، فإنه يجوز؛ وذلك لأن الجهالة إنما تفسد العقد إذا كانت تفضي إلى المنازعة، كما في بيع شاة من القطيع، فأما إذا كانت لا تفضي إلى المنازعة فلا يفسد العقد، كبيع القفيز من الصبرة، وجهالة الأوصاف بسبب عدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة بعد ما صار معلوم العين، وإنما تأثير هذه الجهالة في انعدام تمام الرضا به، وذلك شرط انبرام العقد، لا شرط جوازه، ألا ترى أن البيع يجوز مع خيار الشرط، ولا يلزم لانعدام تمام الرضاء، وكذلك في (٦) العيب، إلا أن هناك السبب المانع من تمام الرضاء شرط الخيار، وهو محتمل للإسقاط، وإذا أسقطه تم الرضا به، وههنا السبب هو الجهل (٧) بأوصاف المعقود عليه، وذلك لا ينعدم إلا بالرؤية، فلهذا لا يسقط خياره، إن أسقطه قبل الرؤية "ولأنه ليس في هذا أكثر من أن ما هو المقصود، وبالعقد مشتر بغيره، وهذا لا يمنع جواز الشراء، كما إذا اشترى جوزاً، أو بيضاً، أو اشترى قفاعاً (٨) في كوز يجوز، والمقصود بالعقد مستتر بغيره" كذا في المبسوط (٩).

فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز شراء ما لم يره؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيع ما ليس عند إنسان (١٠)، والمراد ما ليس بحاضر مرئي للمشتري، لإجماعنا على أن المشتري إذا كان رآه فالعقد جائز، وإن لم يكن حاضراً عند العقد؛ ولأن البيع نوعان: بيع عين، وبيع دين بطريق معرفة المبيع فيما هو دين الوصف، يعنى المسلم فيه، فيما هو عين المشاهد، ثم ما هو (١١) طريق بمعرفة المعقود عليه في بيع الدين، وهو الوصف، إذا تراخى عن حالة العقد لم يجز العقد، فكذلك ما هو الطريق للمعرفة في بيع العين، وهو الرؤية إذا تراخى عن حالة العقد، لا يجوز (١٢) عن (١٣) العقد، ألا ترى أن بيع اللبن في الضرع، وبيع الجنين في البطن، لا يجوز مع وجود المالية لهذا المعنى.


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٢) "الرد" في (ب).
(٣) الأسرار (١/ ٢١٩ - ٢٢٠).
(٤) "في العاين" حرف في زيادة في (ب).
(٥) "المعيان" في (ب).
(٦) سقط من (ب).
(٧) "الجهل" في (ب) وهو ما أثبته وفي (أ) " الجهات".
(٨) نبات متقفع، كأنه قرون صلابة إذا يبس، قال الأزهري: يقال ليابسه: كف الكلب.
ينظر: تهذيب اللغة (١/ ١٧٩)، لسان العرب (٨/ ٢٨٩)، تاج العروس (٢٢/ ٥٨).
(٩) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٣، ٧٠).
(١٠) أخرجه أبو داود في سننه، من حديث حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي أفأبتاعه له من السوق؟ فقال: «لا تبع ما ليس عندك». كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، رقم (٣٥٠٣)، (٣/ ٢٨٣). وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح مالم يضمن، رقم (٢١٨٧)، (٢/ ٧٣٧). والنسائي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عندك، رقم (٦١٦٢)، (٦/ ٥٩). وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٥/ ١٩٣٨).
(١١) "هذا " في (ب).
(١٢) سقط من (ب).
(١٣) في (ب).