للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن الحمام تركت في المسجد حتى في المسجد الحرام مع علم الناس بما يكون منها.

وأصله حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-: أن النبي -عليه السلام- شكر الحمامة فقال: إنها [أوكدت] (١) على باب الغار حتى سلمت فجازاها الله تعالى بأن جعل [المسجد] (٢) مأواها فهو (٣) دليل طهارة ما يكون منها وخرؤ ما لا يؤكل لحمه من الطيور.

وذكر في «الجامع الصغير» (٤) أنه يجوز الصلاة فيه وإن كان أكثر من قدر الدرهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.

وقال محمد -رحمه الله-: لا يجوز. فهو بمنزلة خرء ما لا يؤكل لحمه من السباع.

واختلف مشايخنا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فمنهم من قال: هو نجس عندهما لكن التقدير فيه بالكثير الفاحش لمعنى البلوى، والأصح أنه طاهر عندهما فإن في الخرء لا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم في النجاسة، ثم خرؤ ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر فكذلك خرؤ ما لا يؤكل لحمه، كذا في «المبسوط» (٥).

ولأنها تذرق من الهواء ولا يمكن الاحتراز عنه وما لا يمكن الاحتراز عنه ساقط الاعتبار كما في خرء ما يؤكل لحمه، وليس كخرء الدجاج والبط؛ لأنهما مما لا يذرق من الهواء فيمكن الاحتراز عنه.

ولأن لخرئيهما رائحة منتنة فيكون نجسًا [كالأرواث] (٦)، وذكر شيخ الإسلام في «مبسوطه» (٧) اختلاف المشايخ في خرء الحمام والعصفور أيضًا في نجاسته وطهارته مع اتفاقهم على سقوط حكم النجاسة، لكن عند البعض السقوط من الأصل للطهارة، وعند آخرين للضرورة.

وأما قول الشافعي -رحِمَهُ الله- أنه استحال إلى فساد فيشكل بالمني على مذهبه، ثم الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة لا محالة؛ فإن سائر الأطعمة إذا فسدت لا تنجس فدل أن التغير إلى الفساد لا يوجب النجاسة على أنه إن كان نجسًا قد سقطت نجاسته للضرورة.

وعند محمد بن الحسن (٨): بول ما يؤكل لحمه طاهر حتى لو وقع في الماء القليل لا يوجب تنجسه. ويجوز التوضي به إلا أن يكون البول غالبًا فحينئذٍ لا يجوز التوضي به كما لو وقع فيه لبن، واللبن غالب على الماء، وعندهما (٩) يتنجس وإن وقعت فيها قطرة؛ لأن القطرة في الماء تكون كثيرًا، [وإن] (١٠) أصاب الثوب وكان كثيرًا فاحشًا لا يجوز الصلاة معه. وعند محمد -رحمه الله- يجوز.


(١) في (أ): «أوكدت» والتصويب من (ب) والمبسوط (١/ ٥٧).
(٢) في (ب): «المساجد».
(٣) لم أجده فيما أطلعت عليه من كتب الحديث.
(٤) الجامع الصغير للشيباني (١/ ٧٩) باب في النجاسة تصيب الثوب.
(٥) المبسوط (١/ ٥٧) باب الوضوء والغسل.
(٦) في (ب): «الأوراث».
(٧) انظر: المبسوط (١/ ٥٦) باب الوضوء والغسل.
(٨) الهداية (١/ ٥٠)، والمبسوط للسرخسي (١/ ٥٤).
(٩) يقصد أبا حنيفة وأبا يوسف -رحمهما الله- انظر: المبسوط للسرخسي (١/ ٥٤).
(١٠) في (ب): «وإذا».