للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: ينبغي أن يرجح جانب المشتري (١) دفع الضرر عنه؛ لأن البائع دلس (٢) له العيب، والمشتري صار مغروراً من جهته.

قلنا: المعصية الصادرة لا تمنع عصمة المال، كما في الغاصب إذا عمل في الثوب المغصوب بالخياطة أو صبغه بالحمرة، فلما كان الشرع نظر لهما، والضرر عن المشتري يندفع إذا أثبتنا له حق الرجوع بحصة العيب من الثمن، فإن لم يندفع فذلك لعجزه عن الرد كما قبض لا لتصرف باشره البائع، ولو رده تضرر البائع بتصرف باشره المشتري، وهو رده عليه، فكان مراعاة جانب البائع أولى من هذا الوجه، فإذا لم يرده رجع بنقصان العيب من الثمن إلا أن يرضى البائع] (٣) "، إلى هذا أشار في المبسوط (٤). (لحقه أي: لحق البائع) (٥).

[فإن باعه المشتري، أي: باعه بعد القطع قبل الخياطة ثم علم بالعيب بعد البيع.

لم يرجع بشيء

لأن من حجة البائع أن يقول: أنا أقبله كذلك، فكان المشتري بالبيع حابساً المبيع، وقد ذكرنا أن المشتري إذا حبس البيع ليس له الرجوع بالنقصان، لإمكان رد المبيع وأخذ الثمن، والأصل في جنس هذه المسائل ما ذكره في الفوائد الظهيرية (٦) فقال: "والأصل في جنس هذه المسائل أن في كل موضع يكون المبيع قائماً على ملك المشتري، ويمكنه الرد برضا البائع، فإذا أخرجه عن ملكه لا يرجع بنقصان العيب في كل موضع يكون المبيع قائماً، ولا يمكنه الرد، وإن رضي به البائع؛ فإذا أخرجه عن ملكه يرجع بنقصان العيب".

ولهذا قلنا: أن من اشترى ثوباً فقطعه لولده الصغير وخاطه ثم وجد به عيباً لا يرجع بنقصان العيب؛ (٧) لأنه صار واهباً بالقطع مسلماً إليه قبل الخياطة، فلم يكن الرد ممتنعاً قبل عمل الهبة، ولو كان الولد كبيراً رجع بالعيب؛ لأنه لم يصر مسلماً إلا بعد


(١) "في" زيادة في (ب).
(٢) دلس: التَدْليسُ في البيع: كِتمانُ عَيب السِلعة عن المشتري. والمُدالَسَةُ، كالمخادعة. يقال: فلان لا يُدالِسكَ، أي لا يخادعك ولا يُخفي عليك الشيء فكأنه يأتيك به في الظلام. والدَلَسُ بالتحريك: الظُلْمة. الصحاح (٣/ ٩٣٠)، مجمل اللغة (ص: ٣٣٣)، لسان العرب (٦/ ٧).
(٣) ما بين المعقوفتين في (ب) من اللوح ٤٥/ ب السطر ١٦ إلى اللوح ٤٦/ أ السطر ٣.
(٤) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٩٧).
(٥) ما بين القوسين مكرر في ص ٢٤٤.
(٦) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٥٦٣).
(٧) "ولهذا قلنا: إن من اشترى ثوباً فقطعه" زيادة في (ج).