للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام المعروف بجواهر زادة (١) - رحمه الله -: قول القائل: الرد بقضاء القاضي فسخ للعقد، وجعل له كأنه لم يكن متناقضاً متعارضاً؛ لأن العقد إذا جعل كأن لم يكن جعل الفسخ كأن لم يكن؛ لأن فسخ العقد بدون العقد لا يكون، فإذا انعدم العقد من الأصل انعدم الفسخ من الأصل، فإذا انعدم الفسخ من الأصل عاد العقد لانعدام ما ينافيه، فيتمكن في هذه الدعوى دور وتناقض من هذا الوجه، ولكن يقال: العقد يجعل كأن لم يكن، على التفسير الذي قلنا، كذا في الفوائد الظهيرية (٢).

(غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب)

هذا جواب سؤال مقدَّر يعني غاية الأمر، تقرير باقي هذه المسألة أن يرد فيها السؤال.

فإن قيل: لما أنكر البائع الثاني العيب، كيف يصح رده على بائعه بالعيب الذي أنكره إذ ذاك منقاضة منه؟.

وأجاب عنه: بأنه ارتفعت مناقضته لما كذَّبه الشارع في إنكاره بقضاء القاضي بالبينة (٣)، كمن اشترى شيئاً وأقر أن البائع باع ملك نفسه، ثم جاء إنسان واستحق بالبينة، لا يبطل حقه في الرجوع بالبينة على البائع بالثمن، كذلك ههنا لما ذكرنا، ويجيء نظير هذا أيضاً في الكفالة وغيرها (٤) إن شاء الله تعالى. وقوله:

(ومعنى القضاء بالإقرار أنه أنكر الإقرار، وأثبت بالبينة)

وإنما احتاج إلى هذا التأويل؛ لأنه إذا لم ينكر إقراره بالعيب (٥) بعد الإقرار، لا يحتاج إلى القضاء، بل يرد عليه؛ لإقراره بالعيب، فإذا رد عليه بإقراره بدون القضاء، لم يكن له أن يرده على بائعه، وهي المسألة الثانية؛ لأنه إقالة، وقوله:

(وهذا بخلاف الوكيل)

متعلق بمحذوف؛ لأنه تقديره، والبيع قائم بنفسه، فلم ينفسخ البيع الأول بفسخ البيع الثاني، بخلاف الوكيل بالبيع إلى آخره (٦)، وبهذا صرح فخر الإسلام في الجامع الصغير.


(١) هذه اللفظة يقال لجماعة من العلماء كانوا أولاد أخت عالم، والمشهور بهذه اللفظة عند الإطلاق اثنان متقدم فى الزمن ومتأخر عنه، فالمتقدم أبو بكر محمد بن الحسين البخاري، ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن حسين البخاري، والمتأخر خواهر زاده الإمام بدر الدين محمد بن محمود الكردري، ابن أخت الشيخ شمس الدين الكردري. والذي يعنينا هنا هو محمد بن الحسين البخاري المعروف، أبوبكر خواهر زاده، توفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. الجواهر المضيئة (١/ ٢٣٦)، الأعلام (٦/ ١٠٠)، تاج التراجم (١/ ٢٥٦).
(٢) ينظر: فتح القدير (٦/ ٤٤٨).
(٣) قال في الهداية: (لكنه صار مكذَّبًا شرعًا بالقضاء). الهداية (٣/ ٩٦٦).
(٤) سقط من (ب).
(٥) سقط من (ب) و (ج).
(٦) قال في الهداية: "وهذا بخلاف الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب بالبينة؛ حيث يكون ردًّا على الموكل؛ لأن البيع هناك واحد، والموجود هاهنا بيعان، فيفسخ الثاني، والأول لا ينفسخ، وإن قبل بغير قضاء القاضي ليس له أن يرده؛ لأنه بيع جديد في حق ثالث، وإن كان فسخاً في حقهما والأول ثالثهما". الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٦٦).