للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما حديث أنس -رضي الله عنه- فقد ذكر قتادة عن أنس أنه رخص لهم في شرب

ألبان الإبل ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكره في حديث حميد عن أنس، فإذا دار بين أن يكون حجة وبين أن لا يكون يسقط الاحتجاج به، ثم قال: خصهم رسول الله بذلك؛ لأنه ينحرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، ولا يوجد مثله في زماننا، ويباح بتناول المحرم إذا علم حصول الشفاء به يقينًا، ألا ترى أن من اضطر إلى ميتة فإنه يباح له أن يتناول منها مقدار سد الرمق لعلمه يقينًا كما خص الزبير بلبس الحرير لحكة كانت به وهي مجاز عن القمل فإنه كان كثير القمل، أو يحمل على أنه كان في ابتداء الإسلام ثم صار منسوخًا.

(وَلأنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَصَارَ كَبَوْلِ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -رحِمَهُ الله تَعَالَى- لا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَلا لِغَيْرِهِ لأنَّهُ لا يُتَيَقَّنُ بِالشِّفَاءِ فِيهِ فَلا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لِلْقِصَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ.)

-قوله: (ولأنه يستحيل إلى نتنٍ وفسادٍ) وإنما قيد بالنتن والفساد احتراز عما لا نتن فيه لما أن ما يحيله الطبع على نوعين:

«نوع ما يحيله الطبع إلى فساد وهو نجس كالدماء والغائط/ ١٤/ أ/.

والثاني: ما يحيله الطبع إلى صلاح وهو ليس بنجس كالبيضة والعسل واللبن، وهذا/ ١٤/ ب/ هو القياس الصحيح»، كذا في «الأسرار» (١).

وذكر الإمام المحبوبي (٢) في جواب محمد: أن كون اللحم طاهرًا لا يدل على طهارة البول، ألا يرى أن لحم الآدمي طاهر وحرمة الأكل لكرامته وبوله نجس.

-قوله: (يحل للقصة) وهي ما ذكرنا من حديث العرنيين.

قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا)

قوله: (وإن ماتت فيها فأرة أو عصفورة) وحاصله أن الحيوان الواقع في البئر لا يخلو من أوجه ثلاثة: إما أن يكون فأرة ونحوها، أو دجاجة ونحوها، أو شاة ونحوها. ولا يخلو إما أن يخرج حيًّا أو ميتًا، وبعد الموت لا يخلو إما أن [يكون] (٣) منتفخًا أو لا، أما إذا استخرج حيًّا في الفصول كلاها لا يوجب التنجس إلا الكلب والخنزير، هكذا ذكر في العيون (٤) وعن أبي يوسف أنه قال: الكلب إذا وقع في البئر ثم خرج منها ما ينقض فأصاب ثوب إنسان من ذلك الماء أكثر من قدر الدرهم لا يجوز الصلاة به.


(١) الأسرار ص (٣٣٠).
(٢) الجامع الصغير للمحبوبي مخطوط.
(٣) في (ب): «استنزاه».
(٤) كتاب العيون، أو عيون المسائل للإمام: أبي الليث: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، الحنفي (ت ٣٧٦ هـ)، كشف الظنون (٢/ ١٩٨١).