للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: يشكل بالعبدين له أن يرد أحدهما بعد القبض فما الفرق بينهما؟.

قلنا: هما مميزان حقيقة، فلا يكون التميز فيهما موجباً زيادة العيب؛ لأن مالية السليم لا تكون ثابتة في حق المعيب؛ لأنه منفصل عن السليم، فتميز المعيب لا يوجب زيادة عيب في المعيب، وتوضيحه أن المكيل والموزون كشيء واحد من حيث التقدير، وإن كان أشياء من حيث التحقيق؛ لأن المالية والتقوم في المكيلات والموزونات باعتبار الاجتماع؛ لأن الحبة بانفرادها ليست لها صفة التقوم حتى لا يجوز بيعها، فإذا كان كذلك كان الكل كشيء واحد، ولهذا جعل رؤية البعض كرؤية الكل، كالثوب الواحد، بخلاف العبدين والثوبين؛ لأن كل واحد منهما بصفة الانفراد.

فإن قيل: لو كان المكيل والموزون كشيء واحد في الحكم، كان يجب أن يقال: إذا استحق البعض بعد القبض يكون له حق رد الباقي كما في الثوب الواحد والعبد الواحد، وليس كذلك بالإجماع.

قلنا: في استحقاق البعض بعد القبض عن أبي حنيفة - رحمه الله - روايتان، فعلى إحدى الروايتين السؤال ساقط، وعلى الرواية الأخرى يقول في الاستحقاق: تعتبره شيئاً واحداً أيضاً كما في العيب، إلا أن استحقاق بعض المكيل والموزون لا يوجب عيباً فيما استحق، ولا (١) فيما لم يستحق (٢) في المالية وغير المستحق سواء، فلا يزول بسبب الاستحقاق شيء من المالية في الباقي حتى يكون عيباً، وكذلك لا يوجب نقصاناً في الانتفاع بالباقي؛ لأنهما يقتسمان، بخلاف ما لو وجد بالبعض عيباً وميزه ليرده؛ لأن تميز المعيب من غير المعيب يوجب زيادة عيب، كذا في الجامع الصغير البرهاني (٣) والفوائد الظهيرية (٤).

ولو استحق بعضه أي: لو استحق بعض الشيء الذي اشتراه مما يكال ويوزن وقبضه.

فلا خيار له في رد ما بقي بل يلزم العقد على المشتري في الباقي، ففي هذا افتراق (٥) حكم الاستحقاق مع حكم العيب؛ لأنه ذكر قبله.

ومن اشترى شيئاً مما يكال أو يوزن، فوجد ببعضه عيباً: رده كله وأخذه (٦)


(١) سقط من (ب).
(٢) "لأن المستحق" زيادة في (ب).
(٣) الجامع الصغير البرهاني هو شرح للجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني، أحد كتبه التي تسمى بكتب ظاهر الرواية، شرحه صاحب المحيط برهان الدين، وبعد البحث تبين أنه لا زال مخطوطاً. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٤٤٩).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٦/ ٣٨٩).
(٥) "افترق" في (ب).
(٦) هذه العبارة متأخرة عن الجمل التي قبلها ففي الهداية قال: "ومن اشترى شيئاً مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله، ومراده بعد القبض؛ لأن المكيل إذا كان من جنس واحد فهو كشيء واحد؛ ألا يرى أنه يسمى باسم واحد، وهو الكر ونحوه. وقيل: هذا إذا كان في وعاء واحد، فإذا كان في وعاءين فهو بمنْزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب دون الآخر. ولو استحق بعضه فلا خيار له في رد ما بقي؛ لأنه لا يضره التبعيض، والاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة؛ لأن تمامها برضا العاقد لا برضا المالك، وهذا إذا كان بعد القبض، أما لو كان قبل القبض فله أن يرد ما بقي؛ لتفرق الصفقة قبل التمام". قال: "وإن كان ثوباً فله الخيار؛ لأن التشقيص فيه عيب، وقد كان وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق، بخلاف المكيل والموزون" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٦٨).