للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما ذكر من المسألة ممنوعة وهي مسألة الحامل، وقال الإمام القاضي أبو زيد (١) والإمام القاضي خان - رحمهما الله -: وأما مسألة الحامل قيل: ذلك قولهما، وأما على قول أبي حنيفة - رحمه الله - فالمشتري يرجع على البائع بكل الثمن، إذا ماتت من الولادة، كما هو مذهبه فيما إذا اقتص العبد المشتري، ولئن سلَّمنا فنقول: ثمة سبب الموت المرض المتلف، والمرض المتلف حصل عند المشتري.

كذا في المبسوط (٢)، " وأما الحامل فهناك السبب الذي كان عند البائع يوجب انفصال الولد، لا موت الأم، بل الغالب عند الولادة السلامة، وهو نظير الزاني إذا جلد.

فإن قلت: العذر في الحامل بأن الغالب في الولادة السلامة لا يصح؛ لأنه يشكل/ على أصل أبي حنيفة - رحمه الله - حينئذ الجارية المغصوبة إذا حبلت ثم ردها الغاصب فماتت في نفاسها رجع المغصوب منه على الغاصب بقيمتها كلها.

قلت: لا يشكل؛ لأن الواجب على الغاصب فسخ فعله، وهو أن يرد المغصوب كما غصب، ولم يوجد ذلك حين ردها حاملاً، وههنا الواجب على البائع تسليم المبيع، كما أوجبه العقد، وقد وجد ذلك، ثم إن تلف بسبب كان الهلاك منه مستحقاً عند البائع ينقض قبض المشتري فيه، وإن لم يكن مستحقاً لا ينقض قبض المشتري فيه".

فإن قلت: لما كانت غلبة السلامة في ولادة الحامل عذراً في أن لا يرجع بكل الثمن على البائع في قول أبي حنيفة على رواية طريقة التسليم كما هو قولهما، يجب أن لا يرجع في العبد المشترى الذي هو حلال الدم إذا قتل في يد المشتري بذلك السبب الذي وجد في يد البائع؛ لأن ذلك السبب من وجوب القصاص، أو وجوب القتل، بسبب الردة نظير الحمل من حيث إن كلاً من هذه الأشياء لا تؤدي إلى القتل لا محالة؛ لأن العفو في القصاص مرجو بل هو الظاهر؛ لكونه مندوباً، وكذلك التوبة في الردة هي الظاهرة، إما حقيقةً أو ظاهراً حذار معرة (٣) السيف، وذلك كاف لدفع القتل، فكان الكل منهما شيئاً متردداً، فلا يضاف التلف حينئذ على ما وجد عند البائع، بل يضاف إلى استيفاء ولي القصاص، واستدامة الكفر إلى وقت القتل، وهما أمران عارضان في يد المشتري كحصول المرض المتلف في حق الحامل، وهناك لا يرجع بكل الثمن على تلك الرواية؛ لوجود الموت بأمرٍ عارض عرض في يد المشتري، فكذلك ههنا.


(١) سبق ترجمته. ص ١١٠
(٢) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١١٦).
(٣) المعرة: الأذى. وقال الخطابي"وهي الشدة والمشقة تصيب الإنسان، ومنه قول الله تعالى: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: ٢٥]. تهذيب اللغة (١/ ٧٥)، غريب الحديث للخطابي (٣/ ٨٣).