للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها أن العبد لو زنى عند البائع فجلد في يد (١) المشتري، فمات منه، لا يرجع بالثمن على البائع، وإن كان موته بسبب كان عند البائع.

ومنها أنه لو سرق في يد البائع فقطعت يده في يد المشتري، فسرى القطع من ذلك فمات، يرجع بنصف الثمن لا بكله، وإن كان موته بسبب كان عند البائع.

فهذه خمس مسائل تشكل على ذلك الأصل.

قلت: أما الأولى فإن الجارية لا تموت بمجرد الحمى، بل تموت بزيادة آلام بترادف وزيادة يعتريها عند الموت، وهذا الضعف وزيادة الآلام لم تكن عند البائع، ولا كذلك ما نحن فيه.

وأما الثانية: فإن البيع لما ورد فإن قطع البائع أو الأجنبي قطع سراية القطع؛ لأن السراية حق البائع، فتنقطع السراية ببيع من له السراية، وفيما نحن فيه السراية لغير من كان البيع منه، فيمتنع انقطاع السراية بالبيع.

وأما الثالثة: فإن البكارة لا تستحق بالبيع، بدليل أن من اشترى جارية فوجدها ثيباً لا يتمكن من الرد، ونحن إنما قلنا (٢) فيما يستحق بالبيع لا بالشرط.

وأما الرابعة: فقولنا فيها: يستحق هو بسبب كان عند البائع، والمستحق على العبد الزاني هو الضرب المؤلم، واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل، وموته بذلك الضرب إنما كان لمعنى عارض عرض في يد المشتري، وهو خرق (٣) الجلاد، أو ضعف المجلود، فلم تكن تلك الزيادة مستوفاة جداً، فلا تضاف إلى الزنا فلم يكن ذلك مضافاً إلى ما وجد عند البائع.

وأما الخامسة: فقد ذكرنا جوابها في المبسوط" هذا كله من المبسوط والفوائد الظهيرية (٤). وأما قولهما بأن سبب القتل لا ينافي المالية. قلنا: نعم كذلك، إلا أن "استحقاق النفس بسبب القتل، والقتل متلف للمالية في هذا المحل.

فكان بمعنى علة العلة، وعلة العلة تقام مقام العلة في الحكم (٥)، فمن هذا الوجه صار المستحق كأنه المالية لما أنه لا يصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية، والنفسية مستحقة بالسبب الذي كان عند البائع، فيجعل ذلك بمنْزلة استحقاق المالية؛ لأن ما لا ينفك عن الشيء بحال كأنه هو، وأما إذا مات (٦) في يد المشتري فيتقرر الثمن على المشتري لما أنه لم يتم الاستحقاق في حكم الاستيفاء، فلهذا هلك في ضمان المشتري، وإذا قتل فقد تم الاستحقاق، ولا يبعد أن يظهر الاستحقاق في حكم الاستيفاء دون غيره، كملك الزوج بضع زوجته، وملك من له القصاص نفس من عليه القصاص، لا يظهر إلا في حكم الاستيفاء، حتى إذا وطئت المنكوحة بشبهة فالمهر لها، وإذا قتل من عليه القصاص إنسان فإن الدية يكون لورثته دون من له القصاص" كذا في المبسوط (٧).


(١) سقط من (ب).
(٢) "ما قلنا " زيادة في (ب).
(٣) الخرق: ضد الرفق. جمهرة اللغة (١/ ٥٩٠).
(٤) ينظر: شرح فتح القدير (٦/ ٣٦١).
(٥) القاعدة: علة العلة، لفظ ورود القاعدة: علة العلة تقوم مقام العلة في الحكم. أصولية فقهية، والعلة: هي السبب الظاهر الذي يبنى عليه الحكم. وعلة العلة: لها معنيان: الأول: بمعنى الحكمة من تشريع الحكم؛ لأن المراد بالحكمة المصلحة المناسبة لتشريع الحكم، كالمشقة في السفر والمرض، فالسفر والمرض علة، والمشقة فيهما هي علة العلة، وهي لما كانت غير منضبطة لم يبن الحكم عليها. والمعنى الثاني لعلة العلة: هو سبب السبب المباشر لوقوع الحكم، فمن رمى سهماً، أو أطلق رصاصة، فأصاب شخصاً فقتله، فإن علة القتل هي الإصابة، ولكن علة الإصابة الرمي، فلولا الرمي لم يُصب السهم ولا الطلقة. فمفاد القاعدة: أن علة العلة بنوعيها يمكن أن تقوم مقام العلة في بناء الحكم عليها، والنوع الثاني: واضح في قيامه مقام العلة؛ لظهوره وانضباطه، وأما النوع الأول ففيه خلاف بين الأصوليين، والراجح عندهم أنه لا يبنى حكم على الحكمة؛ لعدم انضباطها. كشف الأسرار (١/ ١٦١)، موسوعة القواعد الفقهية (٧/ ٤٤٠).
(٦) "كانت" في (ج).
(٧) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١١٦).