للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الفاسد أعم من الباطل وأشمل؛ لأن الفساد موجود في الفاسد والباطل بخلاف الباطل، فإنه ليس بموجود في الفاسد؛ لأن الأدنى/ يوجد في الأعلى، ولا ينعكس (١)، والفاسد أدنى الحرمتين، فكان موجوداً في الصورتين؛ لأن المعنى (٢) في الفاسد هو أن يكون مشروعاً بأصله دون وصفه، والباطل هو الذي لا شرعية فيه، لا في الأصل ولا في الوصف، بل فيه صورة البيع لا غير، من غير وجود ركنه فيه؛ لأن ركن البيع هو مبادلة المال بالمال، فكان هذا التلقيب نظير تلقيب باب الأوقاف التي يكره فيها الصلاة، ثم قدم هناك ذكر عدم الجواز في الصلاة بقوله: لا يجوز الصلاة لكون الكراهة أعم محلاً من عدم الجواز (٣).

(هذه فصول جمعها) القدوري - رحمه الله -.

(فنقول (٤): البيع بالميتة والدم باطل)

وإنما ذكر هذا اللفظ، ولم يقل: بيع الميتة والدم باطل؛ ليثبت (٥) حكم البطلان من بيع الميتة والدم بالطريق الأولى؛ وذلك (٦) لأن (٧) الباء تدخل في الأتباع والوسائل، ولهذا يقال: كتبت بالقلم، والأثمان أتباع، ألا ترى أن البيع يجوز وإن لم يكن الثمن موجوداً، ولا يجوز عند عدم المبيع، إلا في موضع خاص، فلذلك قال ههنا: البيع بالميتة والدم باطل؛ لأنه لما بطل البيع عند جعل الميتة والدم ثمناً؛ لأن يبطل يجعلهما مبيعاً أولى، ثم هذا اللفظ -أعني قوله: البيع بالميتة والدم باطل- محتاج إلى التأويل، فإن البيع محلى بالألف واللام؛ فكان متناولاً لجميع البياعات، من بيع المسلم والكافر، وهذا اللفظ يجري على عمومه فيما إذا أريد بالميتة الحيوان الذي مات حتف أنفه، وأما إذا أريد بها المنخنقة (٨) أو الموقوذة (٩) فليس بمجرى على عمومه، فإن بيع المنخنقة والموقوذة جائز عند أهل الكفر، وإن كانت ميتة عند المسلمين، والدليل على هذا ما ذكره المصنف (١٠) - رحمه الله - في التجنيس (١١) فقال: "أهل الكفر إذا باعوا الميتة فيما بينهم لا يجوز؛ لأنها ليست بمال عندهم، ولو باعوا ذبيحتهم، وذبيحتهم أن يخنقوا الشاة أو يضربوها حتى تموت، جاز؛ لأنها عندهم بمنْزلة الذبيحة عندنا، ألا ترى أن المجوسي لو ذبح وباع فيما بينهم يجوز، وإن كان هذا ميتة عندنا.


(١) "لا على العكس" في (ب)، وهي تؤدي نفس المعنى.
(٢) " وفيه بحث؛ لأن مشروعية الأصل إذا اعتبرت في الفاسد فكيف توجد في الباطل؛ لأنه ما لا شرعية فيه أصلاً، أي: لا في أصله ولا في وصفه على ما اعترف به فلا يجتمعان" كذا في هامش (أ) وليست في (ب).
(٣) قال الهروي: "والفرق بين الباطل والفاسد: أن الباطل هو الذي لا يكون صحيحاً بأصله، وذلك لفوات ركنه، فلا يفيد الملك أصلاً، والفاسد هو الذي يكون صحيحاً بأصله لا بوصفه، فيفيد الملك بالقيمة عند القبض". فتح باب العناية (٢/ ٤٦٨)، فتاوي النوازل ص ٣٥٦.
(٤) "بقوله" في (ب).
(٥) "لثبت" في (ب).
(٦) "وذكر" في (ب).
(٧) "أن" في (ب).
(٨) المنخنقة يقال: خنقه فاختنق وانخنق، فأما الانخناق فهو انعصار الخناق في عنقه، والاختناق: فعله بنفسه، والمنخنقة التي تختنق فتموت، ولا يدرك ذكاتها. قال ابن عباس: " والمنخنقة وَهِي الَّتِي اختنقت بالحبل حَتَّى تَمُوت". تهذيب اللغة (٧/ ١٩)، الزاهر في معاني كلمات الناس (١/ ٢٨٣)، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (ص: ٨٨)، المغرب (ص: ١٥٥)، طلبة الطلبة (ص: ٧١).
(٩) والموقوذة: التي تضرب فتموت، ولا يدرك ذكاتها. قال ابن عباس: "الموقوذة وَهِي الَّتِي تضرب بالخشب حَتَّى تَمُوت". تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (ص: ٢)، تهذيب اللغة (٩/ ٢٠٢)، الزاهر في معاني كلمات الناس (١/ ٢٨٣)، لسان العرب (٣/ ٥١٩)، التعريفات الفقهية (ص: ٢٢١).
(١٠) "المصنف"في (ب)، وفي (أ) "المص" وهي اختصار لما في (ب).
(١١) التجنيس والمزيد، وهو لأهل الفتوى غير عتيد في الفتاوى. للإمام، برهان الدين: علي بن أبي بكر المرغيناني، الحنفي. المتوفى: سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، قال: وهذا الكتاب لبيان ما استنبطه المتأخرون، ولم ينص عليه المتقدمون، إلا ما شذ عنهم في الرواية. انتهى. وهو مطبوع. كشف الظنون (١/ ٣٥٢).