للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وهو مبادلة المال بالمال) (١) بطريق الاكتساب؛ لئلا ينتقض هذا اللفظ بالهبة بشرط العوض، فإن ذلك ليس ببيع مطلق حتى لا يملكه المأذون والأب والوصي، وإن كان هو أيضاً مبادلة مال بمال.

(عند أحد (٢)

أي: على تقدير أن يموت الحيوان حتف أنفه في حق الميتة كما ذكرنا، أو المراد بقوله: "عند أحد" أي: ممن له دين سماوي (٣).

(فإنه مال عند البعض) (٤)

كان من حقه أن يقول: فإنه مال عندنا، كما صرح به في الأسرار، فقال في جواب الشافعي: أما الجواب عن القياس على الحر وشراء الخمر، أما الحر فليس بمال، والبيع لا ينعقد في غير المال، وأما الخمر فقد (٥) نهينا عن تحول عينها، والشراء تحول، ألا ترى أن مستهلك عينها لا يضمن، ولا قيمة لعينها، وكلامنا في بيع قابل للتحويل والتملك (٦) في نفسه، وليس الشراء بالخمر كالشراء بالدم؛ لأن الدم ليس بمال، ولا مملوك أصلاً، والخمر مال عندنا ولها قيمة في حق أهل الذمة، "إلا أن الشرع أبطلها في حق المسلمين؛ لئلا يتمولوها (٧)؛ لأنه لا قيمة لها في نفسه (٨)، كما أبطل قيمة الجودة بانفرادها في المكيل والموزون" (٩)، وكذا ذكر في المبسوط (١٠) والإيضاح كون الخمر مالاً من غير تعرض للبعض فقال في المبسوط: وكذلك في البيع بالخمر، أي: ينعقد موجباً للملك عند القبض "فإن محل ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا ينعدم المالية، وإنما ينعدم التقوم شرعاً فإن المالية تكون العين منتفعاً بها، وقد أثبت الله تعالى في ذلك في الخمر بقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (١١) ولأنها كانت مالاً متقوماً قبل التحريم، وإنما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين، وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين (١٢)، إلا أنه فسد تقومها شرعاً؛ لضرورة وجوب الاجتناب عنها بالنص (١٣)، ولهذا بقيت مالاً متقوماً في حق أهل الذمة، فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد"، وكذا في الإيضاح (١٤) أيضاً فقال: إذا اشترى بالخمر أو الخنْزير فقد ذكر مالاً، وأنها متقومة في حق أهل الذمة، وكذا أيضاً ذكر في الكتاب بعد هذا (١٥).


(١) "أي" زيادة في (ب).
(٢) "فواحد" في (ج).
(٣) الدِّين -بالكسر-: الإسلام، والعادة، والجزاء، والمكافآت، والقضاء، والطاعة. والدين الاصطلاحي: قانون سماوي سائق لذوي العقول إلى الخيرات بالذات، كالأحكام الشرعية النازلة على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي شق القمر من معجزاته العالية، واخضرار الشجر من بيناته المتعالية. دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (٢/ ٨٣).
(٤) قال قي الهداية: "وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرماً فالبيع فاسد، كالبيع بالميتة والدم والخنْزير والخمر، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر، قال -رضي الله عنه-: هذه فصول جمعها، وفيها تفصيل نبينه -إن شاء الله تعالى- فنقول: البيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر؛ لانعدام ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء لا تعد مالاً عند أحد، والبيع بالخمر والخنْزير فاسد؛ لوجود حقيقة البيع -وهو مبادلة المال بالمال- فإنه مال عند البعض، والباطل لا يفيد ملك التصرف " الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٧١).
(٥) سقط من (ب).
(٦) سقط من (ب).
(٧) قال الأزهري: تمول مالاً: اتخذه قنية، فقول الفقهاء: ما يتمول أي: ما يعد مالاً في العرف، والمال عند أهل البادية: النعم. وقد سبق تعريف المال ص ٦٦. المصباح المنير (٢/ ٥٨٦).
(٨) "نفسها" في (ب).
(٩) العناية شرح الهداية (٦/ ٤٠٢).
(١٠) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٢٥).
(١١) جزء من الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: ٢١٩].
(١٢) السرقين الذي يخلط بالتراب، يسمى قبل الخلط خثة، فإذا خلط فهو ذيرة، فإذا طلي على أطباء الناقة لكيلا يرضعها الفصيل فهو ذيار. فسره البُخَارِيّ بزبل الدَّوَابّ، وَهُوَ بِكَسْر السِّين وَسُكُون الرَّاء، وَهِي فارسية السرجين بِالْجِيم. تهذيب اللغة (١٥/ ١٠)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (٢/ ٢١٣)، لسان العرب (٤/ ٣١٣).
(١٣) "لعلكم تفلحون" زيادة في (ج).
(١٤) ينظر: البحر الرائق (٦/ ٧٧).
(١٥) "بقوله" في هامش (أ).