للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أن امرأة دخلت على عائشة وقالت: إني بعت من زيد بن

أرقم (١) جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريت منه بستمائة درهم قبل محل الأجل، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن لم يتب، فأتاها زيد بن أرقم معتذراً فتلت قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (٢) (٣)، فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفاً فيما بينهم، وأنها سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك؛ لأن أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي، وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، فعرفنا أن ذلك كالمسموع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واعتذار زيد إليها دليل على ذلك؛ لأن المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضاً، وما كان يعتذر أحدهما إلى صاحبه فيها، ولا يجوز أن يقال: إنما ألحقت الوعيد به للأجل إلى العطاْ؛ لأنا نقول: إن مذهب عائشة - رضي الله عنها - جواز البيع إلى العطاء؛ ولأنها قد كرهت العقد الثاني بقولها بئسما اشتريت، وليس فيه هذا المعنى/، فعرفنا أنها كرهت لما قلنا، وإنما كرهت العقد الأول لأنهما تطرقا به إلى الثاني، والمعنى فيه أنه استربح على ما ليس في ضمانه، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ربح ما لم يضمن (٤)، وبيان ذلك أن الثمن لا يدخل في ضمانه قبل القبض، فإذا عاد إليه الملك الذي زال عنه بعينه، وبقي له بعض الثمن، فهذا ربح حصل لا في (٥) ضمانه، ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا اشتراه لمثل الثمن الأول، أو أكثر فالربح هناك (٦) يحصل للمشتري (والربح (٧) قد دخل في ضمانه، ولا كذلك فيما إذا باعه من غيره؛ لأنه لا يحصل للمشتري هناك ربح لا على ضمانه) (٨)، وكذا إذا اشتراه البائع الأول من المشتري الثاني؛ لأنه لم يعد إليه الملك المستفاد من جهته؛ لأن اختلاف أسباب الملك بمنْزلة اختلاف الأعيان، "وكذلك لو حصل (٩) في المبيع عيب ثم اشتراه البائع بأقل من الثمن الأول؛ لأن الملك لم يعد إليه على الصفة التي خرج عن ملك (١٠) فلا يتحقق فيه ربح ما لم يضمن، ولكن يجعل النقصان بمقابلة الجزء الذي احتبس عند المشتري، سواء كان ذلك النقصان بقدر ذلك أو دونه، حتى إذا كان النقصان نقصان السعر فهو غير معتبر في العقود؛ لأنه فتور في رغبات الناس فيه وليس فيه فوات جزء من العين. كذا ذكره في المبسوط" في باب العيوب (١١).


(١) زيد بن أرقم الأنصاري، يكنى أبا عمرو الخزرجي، مختلف في كنيته، فقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو عمر، وقيل غير ذلك، أول مشاهده الخندق، وقيل: المريسيع. توفي بالكوفة سنة ست وستين، وقيل: ثمان وستين. الاستيعاب (٢/ ٥٣٥)، الإصابة (٢/ ٤٨٧).
(٢) [البقرة: ٢٧٥].
(٣) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب البيوع، رقم (٣٠٠٠٣)، (٣/ ٤٧٨)، والبيهقي في الكبرى، كتاب جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب الرجل يبيع الشيء إلى أجل ثم يشتريه بأقل، رقم (١٠٧٩٨)، (٥/ ٥٣٩)، قال في التنقيح: هذا إسنادٌ جيدٌ، وإن كان الشافعيُّ -رحمه الله- قال: إنَّا لا نثبت مثله على عائشة، قال الدارقطني في العالية: هي مجهولة، لا يحتج بها، فيه نظر، فقد خالفه غيره. تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (٤/ ٦٩)، نصب الراية (٤/ ١٦).
(٤) أخرجه الدارمي في سننه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن ربح ما لم يضمن»، كتاب البيوع، باب في النهي عن شرطين في بيع، رقم (٢٦٠٢)، (٣/ ١٦٦٧)، والنسائي في الكبرى، كتاب البيوع، باب سلف وبيع، وهو أن يبيع السلعة على أن يسلفه سلفاً، رقم (٦١٨٠)، (٦/ ٦٦)، وكذا في الصغرى، كتاب البيوع، باب سلف وبيع، وهو أن يبيع السلعة على أن يسلفه سلفاً، رقم (٤٦٢٩)، (٧/ ٢٩٥). قلت: ورواية "نهى" لم أجد لها تخريجاً، وإنما بلفظ: "لا يحل". قال الترمذي: حسن صحيح، واختصره ابن ماجه، فذكر منه ربح ما لم يضمن، وبيع ما ليس عندك فقط، ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط جماعة من أئمة المسلمين. نصب الراية (٤/ ١٩).
(٥) "على" في (ب).
(٦) "هنا" في (ب).
(٧) "والمبيع" كذا في هامش (أ) و (ج).
(٨) في (ب)، وفي هامش (أ).
(٩) "دخل" في (ب).
(١٠) "ملكه" في (ب).
(١١) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٢٣).