للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(بئسما شريت)

"أي: بعت؛ لأن الشرى يستعمل في معنى البيع، قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (١) أي: باعوه، ثم إنما ذمت (٢) العقد الثاني؛ لأن الفساد فيه مقصود، وفي الأول باعتبار الوسيلة" (٣).

فإن قيل: لم ذمت البيعين والموصوف بالحرمة الثاني دون الأول؟.

قلنا: قد ذكرنا جوابه من المبسوط بقوله: "أنهما تطرقا به إلى الثاني" (٤).

فإن قيل: يحتمل أنها ذمت البيع الثاني باعتبار أنه بيع المبيع قبل القبض، والقبض لم يذكر في الحديث.

قلنا: لا يصح هذا؛ لأنها ذمت البيع الثاني لأجل الربا، حتى تلت عليه آية الربا، وليس في بيع المبيع قبل القبض الربا.

فإن قيل: فقد جاء الوعيد أيضاً في تفريق الولد عن الوالد بالبيع، ومع ذلك أنه لو باعه فالبيع جائز لا فاسد.

قلنا: الوعيد هناك للتفريق لا للبيع، حتى لو فرق بدون البيع كان الوعيد لاحقاً أيضاً، فلما أمكن الانفصال بين البيع والتفريق في الجملة اعتبر منفصلاً في حق جواز البيع، وكره ذلك البيع؛ لتسببه (٥) إلى (٦) التفريق، وأما ههنا لما كان الوعيد لشبهة الربا (٧)، [والربا مخصوص بالبيع كان هو أكثر اتصالاً بالبيع، فأوجب الفساد؛ ولأن في هذا لما كان شبهة الربا أوجب الفساد؛ لأن شبهة الربا ملحقة بحقيقتة فأوجبت الفساد بحقيقته، كذا في الفوائد الظهيرية وغيرها (٨).

(لأنه لابد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه] (٩) فيكون مشترياً للأخرى) (١٠)


(١) [يوسف: ٢٠].
(٢) في هامش (أ) "ذمّت"، وفي (أ) و (ب) و (ج) "قدمت" والصحيح ما أثبته؛ لأن المقصود عائشة -رضي الله عنها- عندما ذمت هذا البيع. ينظر: فتح القدير: (٦/ ٣٩٩).
(٣) فتح القدير: (٦/ ٣٩٩).
(٤) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٢٢).
(٥) "لشبهة" في (ب).
(٦) سقط من (ب).
(٧) سقط من (ب) وهي في هامشه.
(٨) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ١٩٩).
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(١٠) قال في الهداية: "قال: ومن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها وأخرى معها من البائع قبل أن ينقد الثمن بخمسمائة فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع ويبطل في الأخرى؛ لأنه لا بد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه فيكون مشترياً للأخرى بأقل مما باع، وهو فاسد عندنا، ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها، ولا يشيع الفساد؛ لأنه ضعيف فيها؛ لكونه مجتهدا فيه، أو لأنه باعتبار شبهة الربا، أو لأنه طارئ؛ لأنه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري إلى غيرها " الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٨٠).