للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الوجه الذي يجوز فيه كلاهما فهو الوصية، إذا أوصى بجاريته لرجل واستثنى ما في بطنها فإنه يصح؛ لأن الوصية أخت الميراث، فقد جعل الجارية وصية وما في بطنها ميراث، والميراث يجري فيما في البطن، وليس هذا كما أوصى بجاريته لرجل استثنى خدمتها وغلتها للورثة، فالوصية صحيحة، والاستثناء باطل؛ لأن الخدمة والغلة لا يجري فيهما الميراث بدون الأصل، ألا ترى أنه لو أوصى بخدمتها وغلتها لإنسان ثم مات الموصى له بعدما صحت الوصية له، فإنها تعود إلى ورثة الموص، ولا يكون الغلة والخدمة موروثة عند الموصى له، وبمثله لو أوصى بما في بطن جاريته لإنسان والمسألة بحالها فإن الولد يكون موروثاً عن الموصى له " (١)، غير أن (المفسد في) (٢) الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها بأن كاتب المسلم عبده على خمر أو خنْزير أو على قيمته، فالكتابة فاسدة؛ لتمكن الشرط المفسد في صلب العقد، وأما لو شرط على المكاتب أن لا يخرج من الكوفة (٣) فله أن يخرج؛ لأن هذا الشرط يخالف مقتضى العقد، وهو مالكية اليد على جهة الاستبداد، فبطل (٤) الشرط وصح (٥) العقد؛ لأنه شرط (٦) لم يتمكن في صلب العقد وذلك؛ لأن الكتابة تشبه البيع أي انتهاء، وتشبه النكاح فألحقناها بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد، وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلب العقد. إلى آخره على ما يجيء في مكاتب هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (٧). (وكذا الوصية لا تبطل به) (٨)


(١) ينظر: بدائع الصنائع (٦/ ١١٧ - ١١٨)، الجوهرة النيرة (١/ ٢٠٣)، البناية (١٠/ ٢٠٧).
(٢) في (ب) وهي في هامش (أ).
(٣) الكوفة -بالضم-: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، سمّيت الكوفة لاستدارتها، أو لاجتماع الناس بها. وقيل: سمّيت كوفة بموضعها من الأرض، وذلك أنّ كل رملة يخالطها حصى سمّى كوفة، وقيل غير ذلك. هي على الفرات، وهواؤها صحيح، وماؤها عذب. والكوفة مدينة العراق الكبرى، وقبة الإسلام، ودار هجرة المسلمين، وهي خطط لقبائل العرب. وبالكوفة قبر أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه. مصّرها سعد بن أبي وقاص في خلافة ابن الخطاب، وهي أول مدينة اختطها المسلمون بعد البصرة. يقال لها أيضاً: كوفان. آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان (ص: ٣٨)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (٤/ ١١٤١)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (٣/ ١١٨٧).
(٤) "قبل" في (ب).
(٥) طمس من (ب).
(٦) هامش (ب).
(٧) رقم اللوح ٨٦٣/ ب و ٣٦٤/ أ وص ٩٧ - ١٠٣.
(٨) قال في الهداية: "قال: ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد، والأصل أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل؛ وهذا لأنه بمنْزلة أطراف الحيوان؛ لاتصاله به خلقة، وبيع الأصل يتناولهما فالاستثناء يكون على خلاف الموجب، فلا يصح، فيصير شرطاً فاسداً، والبيع يبطل به، والكتابة والإجارة والرهن بمنْزلة البيع؛ لأنها تبطل الشروط الفاسدة، غير أن المفسد في الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها، والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل، بل يبطل الاستثناء؛ لأن هذه العقود لا تبطل الشروط الفاسدة، وكذا الوصية لا تبطل به، لكن يصح الاستثناء حتى يكون الحمل ميراثاً، والجارية وصية؛ لأن الوصية أخت الميراث، والميراث يجري فيما في البطن، بخلاف ما إذا استثنى خدمتها؛ لأن الميراث لا يجري فيها" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٨٣).