للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قيل (١): الجهالة اليسيرة هى ما كان لاختلاف في التقدم والتأخر، فأما إذا اختلف في وجوده كهبوب الريح كانت فاحشة.

(ولأنه معلوم الأصل)

أي: لأن الدَّين معلوم أصله.

(بأن تكفل بما ذاب على فلان فإنه لا يحتملها) (٢)

أي: فإن البيع لا يحتمل الجهالة.

(في أصل الثمن، فكذا في وصفه)

وهو الأجل، فإن قلت: لا يلزم من عدم تحمل أصل الثمن الجهالة؛ لما أن الوصف أضعف من الأصل؛ إذ الأصل يوجد بدون الوصف [دون عكسه، فحينئذ جاز أن لا يبالي بجهالة الوصف دون الأصل] (٣)، فكانت جهالة الأصل أكثر تأثيراً في إفساد البيع من جهالة الوصف، ألا ترى أن الفتح المقترن (٤) بأصل النهي عنه أكثر تأثيراً من الفتح المقترن بوصف المنهي عنه في النهي وذلك؛ لأنه المراد من الوصف ههنا الأجل، فيجوز أن لا يكون في الثمن أجل أصلاً، ولا يجوز أن يقال: أن لا يوجد في البيع (٥) ثمن أصلاً، فكيف استدل بعدم تحمل الأصل على عدم تحمل الوصف.

قلت: الاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم (٦)، وما نشأ عدم تحمل أصل الثمن للجهالة، إلا لأداء تلك الجهالة إلى المنازعة، وذلك موجود في جهالة الوصف فيترتب عليه ذلك الحكم الذي ترتب على الأصل.

(وهذه الجهالة فيه)

أي: في الدَّين متحملة، وقوله أيضاً في قوله:

(جاز)

البيع أيضاً متصل بالمتصل الذي قبله وهو قوله:

(إلى هذه الأوقات) (٧)


(١) "قال" في (ب).
(٢) قال في الهداية: " ألا ترى أنها تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب على فلان ففي الوصف أولى، بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن، فكذا في وصفه" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٨٤).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٤) "المقرون" في (ب).
(٥) "المبيع" في (ب).
(٦) قال الزركشي: "إذا علق الشارع حكماً على علة كما لو قال: حرمت الخمر لكونه مسكراً، هل يعم؟، حتى يؤخذ الحكم في جميع صور وجود العلة، فيعم كل مسكر على قول فإذا قلنا: يعم فعمومه بالشرع قياساً، أو باللغة يجتمع ثلاثة أقوال: أصحها أن عمومه بالشرع قياساً، بناءً على الاشتراك في العلة، فإن ذكر الوصف عقب الحكم تفيد عليته، والاشتراك في العلية، يوجب الاشتراك في الحكم، فيكون الحكم عامًّا لعموم علته، لا لأن اللفظ يفيد تعميمه" تشنيف المسامع بجمع الجوامع (٢/ ٦٩٨)، الأشباه والنظائر للسبكي (٢/ ٢٨٧).
(٧) قال في الهداية: " بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن، فكذا في وصفه، بخلاف ما إذا باع مطلقاً ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات حيث جاز؛ لأن هذا تأجيل في الدين وهذه الجهالة فيه متحملة بمنْزلة الكفالة، ولا كذلك اشتراطه في أصل العقد؛ لأنه يبطل بالشرط الفاسد" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٨٥).