للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: في الجمعين المذكورين، وهما الجمع بين الحر والعبد، والجمع بين المدبر والعبد، وحاصل ذلك أنه لا تفاوت عنده في جميع الصور في أنه يفسد البيع (١) في الكل على ما يجيء.

(ومتروك التسمية عامداً كالميتة)

فإن قيل: كان ينبغي أن يكون الجمع من الذبيحة ومتروك التسمية عامداً كالجمع بين القن والمدبر؛ لضعف الفساد في متروك التسمية عامداً؛ لكونه مجتهداً فيه، فإن الشافعي - رحمه - قال بحله (٢)، فحينئذ يصلح البيع في الذبيحة، سواء فصل الثمن أو لم يفصل، كما هو الحكم فيما (٣) إذا جمع بين قن ومدبر في البيع.

قلنا: هو ليس بمجتهد فيه؛ لوقوع ذلك خطأً بيِّناً؛ لمخالفته الدليل الظاهر من قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (٤) حتى إن القاضي لو قضى بحل متروك التسمية عامداً لا ينفذ القضاء، فلما كان كذلك كان هو بمنْزلة من جمع حراً وعبداً فكان القبول في الحر شرطاً للبيع في العبد، وهذا شرط فاسدٌ.

فإن قيل: إذا بيَّن ثمن كل واحد منهما يكون الصفقة متفرقة، فحينئذ لا يكون قبول الحر شرطاً للبيع في العبد.

قلنا: وقد ذكرنا في أوائل البيوع من رواية الذخيرة (٥) أن البائع إذا فرق الثمن فإن سمّى لكل بعض من المبيع ثمناً على حدةٍ واتحد الباقي بأن قال البائع: بعتك هذه الأثواب العشرة كل ثوب منها بعشرة كانت الصفقة متحدة أيضاً، فعند اتحاد الصفقة كان قبولٌ لكل واحد منهما شرطَ صحة البيع في الآخر، فكان قبول الحر شرطاً لصحة البيع (٦) في العبد وهو شرط فاسد، فيفسد به البيع.

فإن قيل: الشرط الفاسد هو ما يكون منه منفعة لأحد المتعاقدين حتى يكون هو في معنى الربا، أفلا يوجد ذلك في اشتراط قبول الحر في حق القن فلا يفسد.

قلنا: ذاك غير مسلم في كل شرط، بل وجود شرط هو مخالف بمقتضى العقد كاف في إفساد البيع، ولئن سلمنا ذلك، قلنا: هو موجود في قبول الحرية أيضاً؛ وذلك لأن قبول الحر قبول لبدله، وبدل الحر مال متقوم، والحر ليس بمال فلا يكون بدله مقابلاً بمال، فكان بدله خالياً عن العوض فكان رباً، وذلك لأنه إذا باعهما بألف صار كأن البائع قال: بعت هذا العبد بخمسمائة على أن تُسلم إلىّ خمسمائة أخرى وهو عين الربا، باعتبار أنه فضل (٧) خال عن العوض في البيع.


(١) سقط من (ب).
(٢) العزيز شرح الوجيز (١٢/ ٣٦)، المجموع شرح المهذب (٨/ ٤١٢).
(٣) "كما" في (ب).
(٤) [الأنعام: ١١٩].
(٥) ينظر: المحيط البرهاني (٦/ ٢٧٩).
(٦) "العقد" في (ب).
(٧) "حصال" في (ب).