للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: إذا ادعى (١) عليه الشيء فهو خصم فيه؛ لأنه يملك الرقبة، ويدل عليه أيضاً شواهد الأصول، وهي أن المشتري إذا أعتق العبد ثبت الولاء منه دون البائ، ولو لم يكن مالكاً للرقبة لما ثبت الولاء منه، ولو باعه المشتري فالثمن له وعليه القيمة لبائعه، ولو كان تصرفه بتسليط البائع كان يرتفع عن الضمان والثمن للبائع، ولو كان المشترى داراً فبيعت دار بجنبها تثبت الشفعة للمشتري دون البائع، ولو كان عبداً فأعتقه البائع لا ينفذ عتقه فيه كذا في شرح الطحاوي (٢).

وقد ذكرنا فيما ذكرنا مرة في أوائل باب البيع الفاسد ما يتشبث (٣) به مشائخ العراق (٤)، وجوابه هناك.

(وقال الشافعي -رحمه الله-: لا يملكه وأن قبضه (٥) (٦).

وحاصله أن عند الشافعي البيع على ضربين: بيع جائز، وبيع باطل، لا غير، وعندنا البيع على أربعة أوجه: بيع جائز، وبيع فاسد، بيع باطل، ويبع موقوف، كذا في شرح الطحاوي (٧)، هذا التقسيم من حيث إثبات الملك وعدم إثباته، أو إثباته على طريق التوقف، وأما تقسمه فيما سوى ذلك فأكثر منه، وقد ذكرناه في أول كتاب البيوع.

(فلا ينال به نعمة الملك) بل نعمة الملك إنما تنال بالمباح، كنعمة ملك المتعة أصالة أو تبعاً إنما تنال بالنكاح الصحيح والشرى الصحيح.

(ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد)

لأن المشروعية يقتضي كونه حسناً وكونه منهياً يقتضي أن يكون قبيحاً، وبين القبح والحسن تضاد، فأيما ورد أحدهما على الآخر فسخه، أي رفعه لا محالة للتضاد، وذكر في المبسوط (٨) "وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه (٩)، وهي أن النهي عن العقود الشرعية (١٠) لا تخرجها من أن يكون مشروعية [عندنا فإن ذلك موجب النسخ، والنهي غير النسخ، وعنده يخرجها من أن يكون] (١١) مشروعة بمقتضى النهي (١٢) فإن (١٣) القبح من ضرورة النهي، كما أن صفة الحسن من ضرورة الأمر، والمشروع ما يكون مرضياً، والقبيح لا يكون مرضيًّا، فينعدم أصل العقد لضرورة النهي ومقتضاه، لكنا نقول: موجب النهي الانتهاء على وجه يكون المنتهي مختاراً منه، كما أن موجب الأمر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختاراً فيه، فإن استحقاق الثواب والعقاب ينبني على ذلك، وذلك لا يكون إلاَّ بعد تقرر المشروع مشروعاً باعتبار هذا الأصل، ثم نخرج المقتضَى عليه بحسب الإمكان أولى من إعدام المقتضي بالمقتضَى، وهذه في أصول الفقه، وأما التخريج (١٤) ههنا على الأصل المتفق عليه، وهو أن النهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يعدم المشروعية (١٥) كالنهي عن البيع وقت النداء، ومتى كان لمعنى في عين المنهي عنه يعدمه كالنهي عن بيع المضامين والملاقيح، والشافعي -رحمه الله- يقول في البيوع الفاسدة: النهي لمعنى في غير المنهي عنه، ولهذا فسد البيع (١٦)، ويتضح هذا في البيع بالخمر والبيع مبادلة مال متقوم لمال (١٧)، والخمر (ليس) (١٨) بمال متقوم حتى لا يملك بالعقد، وإن قبضت فلا ينعقد موجباً حكمه، فعرفنا أنه غير منعقد في حق حكمه وهو الملك".


(١) سقط من (ب).
(٢) المبسوط للسرخسي (١٦/ ١٧١).
(٣) تشبثت بالشَّيْء إِذا تعلّقت بِهِ. جمهرة اللغة (١/ ٢٥٩)، الصحاح (١/ ٢٨٤)، مقاييس اللغة (٣/ ٢٣٩).
(٤) سقطتا من (ب).
(٥) ينظر: فتح العزيز (٨/ ٢١٢)، روضة الطالبين (٣/ ٤١٠).
(٦) قال في الهداية: "لأنه محظور، فلا ينال به نعمة الملك؛ ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد، ولهذا لا يفيده قبض القبض، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٨٦).
(٧) ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (١/ ٢٠٠).
(٨) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٢٣).
(٩) أصول السرخسي (١/ ٨٦ - ٨٧).
(١٠) "المشروعية" في (ب).
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(١٢) "عن العقود المشروعة" زيادة في (ب).
(١٣) "صفة" في (ب) وهي في هامش (أ).
(١٤) "نخرج" في (ب).
(١٥) " المشروع" كذا في (ب).
(١٦) "به" في (ب).
(١٧) "متقوم" زيادة في (ب) و (ج).
(١٨) في (ب)، وفي هامش (أ).