للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت (١): الإقالة وإن كان لها حكم البيع، ولكن هي ليست ببيعٍ على الحقيقة، فتجوز بعد هلاك أحد العوضين (٢).

وأما بيع المقايضة فهو بيع على الحقيقة فلكل واحد من العوضين جهة كونها مبيعًا، فالحق في البيع الحقيقي بالمبيع من كل وجه، وهلاك المبيع من كل وجه مبطل للعقد إذا كان الهلاك قبل تمام العقد بالقبض، سواء كان في الإقالة أو في البيع، فكان فيه عمل بالشبهين بقدر الإمكان.

ثم إنما قيّد في الكتاب في المقايضة بقوله: (يجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما) (٣)؛ احترازًا عن هلاكهما جميعًا، فإن العرضين (٤) لو هلكا ثم أقالا (٥) لا يجوز؛ لأن البيع لم يبق بهلاكهما، والإقالة يقتضي (٦) بقاء البيع (٧) وقت الإقالة، فلا يجوز عند هلاكها (٨) جميعًا لذلك.

فإن قلتَ: ما الفرق بين (التصارف والتقابض) (٩)؟ فإن هلاك البدلين جميعًا في بيع الصرف غير مانعٍ للإقالة، وفي التقابض (١٠) مانعٌ، مع أن في كلّ واحدٍ من العقدين - أعني التقابض (١١) والتصارف - لكل واحد من العوضين [فيهما (١٢) حُكْم المبيع والثمن؛ لأن المبيع (١٣) لا بد منهما وليس أحدهما بأولى من الآخر في جعله مبيعًا أو ثمنًا، فلذلك كان لكل واحد من العوضين حكم المبيع والثمن، ثم هلاكهما في التقابض يمنع صحة الإقالة وفي التصارف لا يمنع.

قلت: لأن المعقود عليه في التصارف ما استوجب كل واحد منهما في ذمة صاحبه.

ألا ترى أن في (١٤) الإقالة لا يلزمه ردُّ المقبوضِ بعينه، ولكن (إن شاء [ردَّه]) (١٥)، وإن شاء ردَّ مثلَه، فلا يكون هلاك المقبوض مانعًا صحةَ الإقالة وإن كان في العوضين جميعًا؛ لأنه لما كانت الإقالة لا يتعلق بأعيانهما لو كانا قائمين، صار هلاكهما كقيامهما، بخلاف بيع (العرض بالعرض) (١٦)؛ لأنهما متى كانا قائمين تتعلق الإقالةُ بأعيانهما، فمتى كانا هالكين لم يبقَ شيءٌ من المعقود عليه، ولا بد لقيام العقد - سواء كان بيعًا أو إقالة - من قيام المعقود عليه، فلم يبقَ المعقودُ عليه أصلاً في هلاك العوضين، وبقي في بيع الصَّرْفِ بعد هلاك البدلين على ما قلنا (١٧).


(١) في (ت): «قلنا».
(٢) انظر: "العناية شرح الهداية" (٦/ ٤٩٢).
(٣) انظر: "الهداية شرح بداية المبتدي" (٣/ ٥٦).
(٤) في (ت): العوضين.
(٥) في (ت): تقايلا.
(٦) في (ت): تقتضي.
(٧) في (ت): المبيع.
(٨) في (ت): هلاكهما.
(٩) في (ت): التقايض والتصارف.
(١٠) في (ت): التقايض.
(١١) في (ت): التقايض.
(١٢) في (ت): فيها.
(١٣) في (ت): للبيع.
(١٤) في (ت): بعد.
(١٥) في (ت): ورد.
(١٦) في (ت): «العروض بالعروض».
(١٧) انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (٤/ ٧٣)، و"البناية شرح الهداية" (٨/ ٢٣٠).