للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما السؤال الثاني: فإن الغصب هو أحد وجهي المعاوضة عندنا حتى أنه صار سبباً للملك لا مقصودًا فيه بل لكونه سببًا لضمان المعاوضة.

ألا ترى أن إقرار المأذون بالغصوب جائز؛ لما أن الإقرار بالغصب إقرار بالمعاوضة، وإقراره بعقد المعاوضة جائز.

لكن قبل قضاء القاضي بالقيمة على الغاصب كان وجوب القيمة عليه مترددًا، حتى أنه لو عاد من إباقه (١) كان يجب عليه رده إلى مولاه، وبعد قضاء القاضي عليه بالقيمة لم يجب عليه رده، فكان وجوب القيمة بعد قضاء القاضي عليه وشراؤه بمثل ذلك القيمة سواء، ولو اشتراه بمثل تلك القيمة لجاز له أن يبيع العبد مرابحة على الثمن الذي أدّاه إلى البائع، فكذلك ههنا يجوز له أن يبيع ذلك العبد مرابحة على القيمة التي أداها إلى المالك.

وأما الثالث فجوابه ما يجيء في هذا الباب.

فإن قلت: في قوله بالثمن [الأول] شبهة أخرى، وهي أن في بيع المرابحة لا يشترط الثمن أيضًا أصلًا وقت يملك الثوب مثلًا، ألا ترى أنه لو ملك أصل الثوب بميراث أو هبة أو وصية (٢)، فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على تلك القيمة جاز، والمسألة في المبسوط (٣).

قلت: الأصل في بيع المرابحة والتولية الاحتراز من (٤) الكذب، وفي هذه المسألة هو موجود، فيجوز بيع المرابحة بذلك (٥)، وذلك لأنه ما أخبر المشتري بشيء هو كذب، وإنما قال: قيمته كذا أو رقمه كذا، هو (٦) صادق في ذلك، فإن صار المشتري مغبونًا (٧) فيه فذلك من قبل جهله، كذا في المبسوط (٨).


(١) أَبَقَ العبدُ يَأْبِقُ ويأْبُقُ إباقاً، أي هرب. الصحاح (٤/ ١٤٤٥).
(٢) الْوَصِيَّةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ هُوَ التَّوْصِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: ١٠٦] ثُمَّ سَمَّى الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] وَفِي الشَّرِيعَةِ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي الْمَنَافِعِ. فتح القدير (١٠/ ٤١١).
(٣) المبسوط لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: ١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م (١٣/ ٩١).
(٤) في (ع): عن.
(٥) في (ع): لذلك.
(٦) في (ع): وهو.
(٧) الغَبَن: هي الخديعة في البيع والشراء واليسيرُ منه ما يُقوِّم به مُقوِّم والفاحشُ منه ما لا يخل تحت تَقْويم المقوِّمين، وقيل: ما لا يتغابن الناس فيه. التعريفات الفقهية (١/ ١٥٦).
(٨) المبسوط (١٣/ ٩١).