للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأويل الحديثين أنه كان ذلك في الابتداء قبل تحريم [لحم] (١) السباع أو السؤال وقع في الحياض الكبار، وبه نقول إن مثلها لا تنجس كذا في «المبسوط» (٢).

وذكر محمد نجاسة سؤر السباع ولم يبين أن نجاسته خفيفة حتى يعتبر فيه الكثير أو غليظة حتى يعتبر فيه أكثر من قدر الدرهم.

وقد روي عن أبي حنيفة في [غير] (٣) رواية الأصول أنه نجس نجاسة غليظة.

وروي عن أبي يوسف: أن سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع، كبول ما يؤكل لحمه وعلل فقال: لأن الناس اختلفوا في سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع كما اختلفوا في بول ما يؤكل لحمه، فأوجب اختلافهم تخفيفًا في نجاسته كما في بول ما يؤكل لحمه، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٤).

(وَسُؤْرُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ) لأنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ (وَسُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ -رحِمَهُ الله- فِيمَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لأنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ اللُّعَابُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ.

(وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ «لأنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانَ يُصْغِي لَهَا الإنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ».

وَلَهُمَا قَوْلُهُ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ.

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ، وَقُبِلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ وَالْأَوَّلُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِ.

-قوله -رحِمَهُ الله-: (وسؤر الهرة مكروه) قال شمس الأئمة -رحمه الله- في «المبسوط»: «هذا لفظ «الجامع الصغير»، وأما لفظ كتاب الصلاة قال: وإن توضأ بغيره [فهو] (٥) أحب إلي» (٦). وذكر شيخ الإسلام.

وروي عن أبي يوسف -رحمه الله- أنه قال: لا بأس بالتوضي به، وهو قول الشافعي (٧)، واحتجا في ذلك بحديثين:

[أحدهما] (٨): ما رواه محمد في كتاب الصيد أن النبي -عليه السلام- كان يصغي الإناء للهرة ويشرب ما بقي ويتوضأ منه (٩).


(١) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(٢) انظر: المبسوط (١/ ٤٩) باب الوضوء والغسل.
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) انظر: مبسوط شيخ الإسلام (١/ ٢٥٣)، والمبسوط للسرخسي (١/ ٤٩)، والمحيط البرهاني (١/ ١٢٨).
(٥) ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).
(٦) المبسوط (١/ ٥١) باب الوضوء والغسل.
(٧) سبق توثيق مذهب الشافعية (ص ٢٨٣) هامش (٥).
(٨) ساقطة من (ب).
(٩) الحديث رواه الدارقطني في سننه (١/ ٤٦) كتاب الطهارة باب سؤر الهرة حديث رقم (١٥) بإسناد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «كَانَ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- يمرُّ به الهرّ فيصْغي لها الإناءُ فتَشْرب، ثم يتَوضَّأ بفضلها» قال أبو بكر: يعقوب هذا أبو يوسف القاضي، وعبد ربه هو: عبد الله ابن سعيد المقبري، وهو ضعيف. وروى ابن ماجة في سننه (١/ ١٣١) برقم (٣٦٨) بإسناده عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كنت أتَوَضَّأ أنَا ورَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- من إنَاء واحِدٍ قَدْ أصَابَتْ منه الهرّة قبل ذلك». ورواه الدارقطني في سننه (١/ ٤٨) برقم (٢١١) عنها، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (١/ ٦٤) برقم (٢٩٥).