للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم تخصيص الشيء بالذكر عندنا (١) لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه، قال الله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (٢)، وذلك لا يدل على أنّه يجوز ذلك في غير أشهر الحرم، كيف وراوي هذا الحديث ابن عباس (٣) رضي الله عنهما، وقال بعد روايته: وأحسب (٤) كل شيء مثله (٥).

ثم قال محمد -رحمه الله-: كل تصرف لا يتم إلا بالقبض فذلك جائز في المبيع قبل القبض إذا سلّطه (٦) على قبضه فقبضه؛ لأن تمام هذا العقد لا يكون إلا بالقبض والمانع زائل (٧) عند ذلك.

بخلاف البيع والإجارة فإنّه يلزم بنفسه، وقاس هذا بهبة الدين لغير (٨) من عليه الدين، فإنها يجوز إذا سلّطه (٩) على قبضه، بخلاف البيع.

وأبو يوسف -رحمه الله- يقول: البيع أسرع نفاذاً من الهبة؛ بدليل أن الشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع تمام الهبة دون البيع، ثم البيع في المبيع قبل القبض لا يجوز؛ لأنه تمليك العين ما ملكه في حال قيام الغرر (١٠) في ملكه فالهبة أولى؛ لأن الهبة في استدعاء الملك القوي (١١) من البيع حتى يجوز البيع من المكاتب والمأذون (١٢) له دون الهبة، كذا في المبسوط (١٣).


(١) في (ع): عنده.
(٢) [التوبة: ٣٦].
(٣) عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس بْن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف، ابْنُ عم رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى البحر، لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، واستعمله عليّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى البصرة، فبقي عليها أميرًا، ثُمَّ فارقها قبل أن يقتل عليّ بْن أبي طَالِب، وعاد إلى الحجاز، وشهد مَعَ عليّ صفين، وكان أحد الأمراء فيها. وروى ابْنُ عَبَّاس: عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن عُمَر، وعلي، ومعاذ بْن جبل، وأبي ذر. أسد الغابة (٣/ ٢٩١).
(٤) في (ع): واجب.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب البيوع _ باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك (٢١٣٥)، ومسلم في كتاب البيوع _ بَابُ بُطْلَانِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (١٥٢٥).
(٦) في (ع): سلط.
(٧) في (ع): زائد.
(٨) في (ع): بغيره.
(٩) في (ع): سلط.
(١٠) بيع الغَرَر: هو البيع الذي فيه خطر انفساخه بهلاك المبيع، والغرر- محركة-: التعريضُ للهلكة وما طوي عنك علمُه، وفي "المبسوط": "الغرر ما كان مستورَ العاقبة". وفي "المغرب": "الغرر" هو الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا". التعريفات الفقهية (١/ ٤٨).
(١١) في (ع): أقوى.
(١٢) في (ع): المأذون.
(١٣) المبسوط (١٣/ ٨).