للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغرر ما طوي عنك علمه وقد ذكرناه.

غرر (١) انفساخ (٢) العقد، أي العقد الثاني.

فإن قلت: غرر الانفساخ فيما بعد القبض متوهم أيضاً على تقدير ظهور الاستحقاق، مع أن عدم الهلاك ههنا أصل، كما أن عدم ظهور الاستحقاق هناك أصل، فاستويا (٣) من هذا الوجه في الغرر، فيجب أن يستويا في الحكم، وهو عدم جواز البيع.

قلت: لو قلنا به يلزم اسنداد (٤) باب البيع أصلًا، وهو مفتوح، ولخلا قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٥) عن فائدة إثبات الإحلال.

ولأن قبض (٦) القبض ذلك متوهم، وهذا أيضًا متوهم، وإن اشتركا في أحد المعنيين الموجب لعدم الجواز فامتاز ما قبل القبض بما هو السالم له، وهو غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك، فلذلك اختص بحكم يمتاز به عن حكم ما بعد القبض، وهو عدم جواز البيع قبل القبض.

ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر.

حتى قال بعض أصحابنا: جواب أبي حنيفة -رحمه الله (٧) - في موضع لا يخشى عليه أن يصير بحراً، أو يغلب عليه الرحال، فأما في موضع لا يؤمن (٨) عليه ذلك لا يجوز، كما في المنقول، كذا ذكره الإمام المحبوبي -رحمه الله- (٩) (١٠).

فإن قيل: العقار وإن كان لا يتوهم انفساخ العقد فيه بالهلاك يتوهم انفساخ العقد فيه بالرد بالعيب.

قلنا: لم قلتم أنه يتوهم انفساخ العقد فيه بالرد متى جاز البيع فيه قبل القبض، بل هذا لا يصح؛ لأنّه متى جاز البيع فيه قبل القبض يصير ملكًا للمشتري، وحينئذ لا يملك المشتري الأول الرد فلا يتوهم الانفساخ فيه بالرد حينئذ، كذا في الفوائد الظهيرية (١١).

فإن قيل: التعليل بقوله: لأن (١٢) الهلاك في العقار نادر تعليل في موضع النص، وهو ما روي عن النبي -عليه السلام- (١٣) «أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض» (١٤)، وأنه عام على ما ذكر من المبسوط فيتناول العقار وغيره، والتعليل بخلاف النص في موضع النص لا يقبل.


(١) في (ع): عند.
(٢) في (ع): الانفساخ.
(٣) في (ع): فيستويان.
(٤) في (ع): انسداد.
(٥) [البقرة: ٢٧٥].
(٦) في (ع): قبل.
(٧) في (ع): رضي الله عنه.
(٨) في (ع): يؤم.
(٩) جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأبي حنيفة الثاني، (ت ٦٣٠ هـ). سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (٢٢/ ٣٤٥)، الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، المحقق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث - بيروت، عام النشر: ١٤٢٠ هـ- ٢٠٠٠ م، (١٩/ ٢٢٩).
(١٠) فتح القدير (٦/ ٥١٣).
(١١) البناية شرح الهداية (٨/ ٢٤٩).
(١٢) في (ع): بأن.
(١٣) في (ع): صلى الله عليه وسلم.
(١٤) تقدم.