للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما الزيادة في الثمن فلا يصح بعد هلاك المبيع على ظاهر الرواية (١).

فقيد بظاهر الرواية؛ احتراز (٢) عما روى الحسن عن أبي حنيفة -رحمهما الله- فقال: يصح زيادة الثمن بعد هلاك المبيع (٣).

وروى عن محمد أن شرط صحة زيادة الثمن كون المبيع قائلًا (٤) للمقابلة في نفسه لا كونه قائلًا (٥) للمقابلة في حق المشتري، حتى أن على هذه الرواية يصح الزيادة من المشتري في الثمن بعدما باع المشتري المبيع أو وهب وسلم أو تصدق وسلم؛ لأن المبيع بقي محلًا للمقابلة في نفسه.

وفي ظاهر الرواية لا يصح الزيادة؛ لأن المبيع لم يبق محلًا للمقابلة في (حق المشتري) (٦) (٧).

والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية؛ لأن طريق تصحيح الزيادة في الثمن بغير العقد، والعقد بعد هلاك المعقود عليه لا يقبل التغيير؛ لأن التغيير يرد على الموجود والعقد كلام كما وجد تلاشي وانعدم، وإنما يجعل باقيًا ببقاء محله، ومحله المبيع فإذا هلك المبيع فات محل العقد، فلا يبقى العقد فلا يمكن القول بالتغيير.

هذا الذي ذكرنا (٨) في حكم الزيادة في المبيع أو الثمن، وأما حكم الحط فيقول: حط بعض الثمن صحيح، ويلتحق بأصل العقد كالزيادة، غير أن بين الزيادة والحط فرقًا من وجهين؛ أحدهما: أن الحط صحيح سواء بقي المبيع محلًا للمقابلة وقت الحط أو لم يبق، بخلاف الزيادة على ظاهر الرواية؛ لأن الحط إخراج ما تناوله الحط من أن يكون ثمنًا للحال، ويستند إلى حال كمال العدم، فيشترط له قيام الثمن لا قيام المبيع، وأما الزيادة فإثبات صورة المقابلة للحال، ويستند إلى حال كمال الثبوت، فيشترط لها قيام المبيع بشرط أن يكون محلًا للمقابلة.

والثاني: أن من اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم، فحط عنه المشتري [البائع] مائة، كان الحط نصفين، ولو زاد المشتري مائة في هذه الصورة ينقسم الثمن على قدر قيمتهما، والفرق أن الحط يكون من الثمن، ولا تعلق له بالمبيع، فإذا قال: حططت عن ثمنهما مائة فقد أدخلهما في الحط على السواء، فانقسم الحط عليهما نصفين، بخلاف الزيادة في الثمن؛ لأنها تقابل المبيعين، وقد قابلهما بهما مطلقًا، والمقابلة المطلقة يقتضي (٩) الانقسام على المتيقن [المتعين]، وهذا وباقي المسائل التي تتعلق بمسألتنا هذه مذكورة في الذخيرة (١٠).


(١) الجوهرة النيرة لأبي بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة: الأولى، ١٣٢٢ هـ (١/ ٢١١).
(٢) في (ت): احترازًا.
(٣) فتح القدير (٦/ ٥٢٢).
(٤) في (ت): قابلًا.
(٥) في (ت): قابلًا.
(٦) في (ت): نفسه.
(٧) البناية شرح الهداية (٨/ ٢٥٤).
(٨) في (ت): ذكرناه.
(٩) في (ت): تقتضي.
(١٠) المحيط البرهاني (٦/ ٤٨٣).