للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عذرات غيرها حتى تحول فيها، وإنما تجد عذرات نفسها وهي لا تجول [في] (١) عذرات نفسها (٢).

والثاني: هو ما حكي عن الإمام الحاكم عبد الرحمن أنه قال: لم يرد بكونها [محبوسة أن تكون محبوسة في بيتها؛ لأنها وإن كانت محبوسة في بيتها فإنها تجول في عذرات نفسها فلا يؤمن منه أن يكون على منقارها قذرٌ فيكره التوضي بسؤرها كما لو كانت مخلّاة وإنما أراد بكونها محبوسة] (٣) أن تحبس في بيت لتسمن للأكل فيكون راسها وعلفها ومأها خارج البيت فلا يمكنها أن تجول في غذرات نفسها.

-قوله: (وكذا سؤر سباع الطير) هو معطوف على قوله: وسؤر الدجاجة المخلاة ليكون داخلاً في حكم الكراهة، ثم حكم الكراهة في سؤر سباع الطير جواب الاستحسان.

وأما في جواب القياس فهو نجس؛ لأن سؤر ما لا يؤكل لحمه من سباع الطير معتبرٌ بسؤر ما لا يؤكل لحمه من سباع الوحش، ولكنا استحسنا فقلنا: بأنه طاهر مكروه؛ لأنها تشرب بمنقارها ومنقارها عظم جاف بخلاف سباع الوحش، فإنها تشرب بلسانها ولسانها رطب بلعابها، ولأن في سباع الطير تتحقق البلوى، وأنها تنقض من الهواء فتشرب فلا يمكن صون الأواني عنها خصوصًا في الصحاري بخلاف سباع الوحش»، كذا في «المبسوط» (٤).

وذكر الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٥) -: «فسباع الطير تشرب بمنقارها وهو عظم جاف طاهر، لكن تناولها الجيف غالب فأورث الكراهة، فإن توضأ به عند عدم الماء المطلق جاز من غير كراهة، وذكر في «المحيط»: وكأن أبا يوسف اعتبر الكراهة لتوهم اتصال النجاسة بمنقارها لا لوصول لعابها إلى الماء.

وقال: إذا لم يكن على منقارها نجاسة لا يكره التوضي بسؤرها.

واستحسن المتأخرون رواية أبي يوسف وأفتوا بها» (٦).

وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْهِرَّةِ

قوله: (والتنبيه على العلة في الهرة) أي: وبقي التنبيه على العلة التي كانت في الهرة، يعني أن النبي-عليه السلام- علل لسقوط نجاسة سؤر الهرة بعلة الطوف بقوله: «إنها مِنَ الطَّوَّافِينَ والطَّوَّافاتِ عَلَيكم» (٧). دفعًا للحرج، فكان مقتضى ذلك التعليل أن يوجد الحكم المرتب على تلك العلة أينما وجدت تلك العلة فقد وجدت تلك العلة وهي الطوف في سواكن البيوت بعينها؛ بل أزيد منها، فيثبت ذلك الحكم المرتب عليها أيضًا وهو سقوط النجاسة في سؤر سواكن البيوت كما في الهرة، وكان الشيخ -رحمه الله- (٨) يقول في هذا: الله تعالى علل لسقوط وجوب الاستئذان بعلة [الطواف] (٩) في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: ٥٨]، ثم استدل النبي-عليه السلام-


(١) في (ب): «و».
(٢) لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، بل هو في: المحيط البرهاني (١/ ١٢٥) وحاشية الطحاوي على مراقي الفلاح (١/ ٣١).
(٣) ما بين معكوفين ساقط من (ب).
(٤) المبسوط للسرخسي (١/ ١/ ٥٠، ٥١) باب الوضوء والغسل.
(٥) لعلها جملة معترضة.
(٦) المحيط البرهاني (١/ ١٢٦).
(٧) سبق تخريجه في (ص ٢٩٣) هامش (٣).
(٨) لعله يقصد بالشيخ: أبويوسف.
(٩) في (ب): «الطوف».