للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتعليل الله تعالى فيه على سقوط نجاسة سؤر الهرة بعلة [الطواف] (١) أيضًا بقوله: «إنها مِنَ الطَّوَّافِينَ». ثم استدل أبو حنيفة -رحمه الله- بتعليل النبي-عليه السلام- في سؤر الهرة على سقوط نجاسة سؤر سواكن البيوت بعلة الطواف أيضًا.

قَالَ (وَسُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ) قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لأنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا مَا لَمْ يَغْلِبْ اللُّعَابُ عَلَى الْمَاءِ، وَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ

-قوله: (وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه) وقال الشافعي: "هو طاهر وطهور؛ لأنه جعل سؤر كل حيوان ينتفع [بجلده] (٢) طهورًا فلذلك [جعل] (٣) جميع سؤر السباع كالنمر والفهد سوى الكلب والخنزير طاهراً وطهورًا للانتفاع بجلده"، كذا في «الأسرار» (٤).

وكان أبو طاهر الدباس (٥) -رحمه الله- ينكر هذا ويقول: "لا يجوز أن يكون شيء من حكم الشرع مشكوكًا فيه، ولكن معناه محتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به في حالة الاختيار، وإذا لم يجد غيره يجمع بينه وبين التيمم احتياطًا "كذا في «المبسوط» (٦).

لأنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ، وَكَذَا لَبَنُهُ طَاهِرٌ وَعَرَقُهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ فَحُشْ، فَكَذَا سُؤْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ،

-قوله: (لأنه لو وجد الماء لا يجب عليه غسل رأسه) أي: بعد ما مسح رأسه بسؤر الحمار [و] (٧) جد ماءً مطلقًا لا يجب عليه غسل رأسه، فلو كان الشك في طهارته؛ لوجب وإنما عين الرأس دون غيره؛ لأن غيره من الأعضاء يطهر بصب الماء عليه حقيقةً وحكمًا.

قوله: (وهو الأصح) والضمير راجع إلى قوله: وقيل: الشك في طهوريته، ثم لما كان الشك في طهوريته على الأصح كان بقاؤه على الطهارة بلا شك [شاكٍّ] (٨)، ثم عطف [عليه لبنه وعرقه] (٩) بكونهما طاهرين مطلقًا، "هذا في العرق بحكم [الروايات] (١٠) الظاهرة صحيح، وأما في اللبن فغير صحيح لما أن الرواية في الكتب المعتبرة نجاسة لبن الحمار أوتسوية النجاسة والطهارة فيه بذكر الروايتين ولم يرجح [جانب] (١١) الطهارة أحدٌ إلا في رواية غير ظاهرة عن محمد، فذكر شمس الأئمة السرخسي في «المبسوط» (١٢) في تعليل سؤر الحمار فقال: «وكذلك اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته واعتباره بلبنه يدل على نجاسته، وجُعل لبنه نجسًا كما ترى" (١٣).


(١) في (ب): «الطوف».
(٢) في (ب): «به».
(٣) في (ب): «جمع».
(٤) الأسرار ص (٢٥٥، ٢٥٦، ٢٦٦).
(٥) هو: محمد بن محمد بن سفيان، أبو طاهر الدباس، الفقيه، إمام أهل الرأي بالعراق، درس الفقه على القاضي أبي حازم صاحب بكر القمي وكان من أهل السنة والجماعة صحيح المعتقد، ولي القضاء بالشام، وخرج منها إلى مكة فمات بها-رحمه الله تعالى- انظر: طبقات الحنفية (٢/ ١١٦، ١١٧).
(٦) المبسوط للسرخسي (١/ ٤٩، ٥٠).
(٧) في (ب): «لو».
(٨) ساقطة من (ب).
(٩) في (ب): «لبنه عليه وعرقه».
(١٠) في (ب): «الرواية» وأيضاً في تبيين الحقائق (١/ ٣٤).
(١١) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(١٢) انظر: المبسوط للسرخسي (١/ ٤٩).
(١٣) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (١/ ٣٤).