للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يجوز السلم إلا مؤجلًا.

وقال الشافعي -رحمه الله-: يجوز [حالاً] (١)؛ لإطلاق الحديث: "ورخص في السلم" إلى آخره.

قيل: ترك كل منا ومن الشافعي مذهبه، (وأن من) (٢) مذهب الشافعي حمل المطلق على المقيد، وعندنا على عكسه، ثم مذهبنا ومذهبه يختلفان في السلم والكتابة على طريق المضادة في اشتراط الأجل، أعني إن سلم الحال لا يجوز عندنا، وعنده يجوز، وفي الكتابة على العكس، فإن الكتابة الحالة جائزة عندنا، وعنده لا يجوز (٣).

ثم أنه إنما ترك أصله وهو حمل المطلق على المقيد هنا فقال: لأني وجدت الأصول متعارضة، حيث وجدت البيع غير مؤجل، والكتابة مؤجلة على أصلي، كما تركت أصلي هذا في صوم كفارة اليمين؛ لأني وجدت الأصول متعارضة، فإن صوم المتعة مشروع بصفة التصرف [التفريق]، وصوم الظهار (٤) مشروع بصفة التتابع، فتركت صوم كفارة اليمين مطلقاً على حاله إن شاء فرق كما في صوم المتعة، وإن شاء تابع كما في صوم الظهار.

وعندنا المل (٥) بالمقيد هنا، لا على طريق حمل [المطلق على] (٦) المقيد، بل لما ورد الإطلاق والتقييد هنا في الحكم، وهو جواز عقد السلم عند ذكر الأجل، وعدم الجواز عند تركه كان التقييد بشرط الأجل وصفاً زايدًا على الحكم المطلق، فلما تعلق الجواز بقيد الأجل لا يبقى مطلقاً حينئذ فعملنا (٧) بالزيادة، كما عملنا (٨) بنص التتابع في صوم كفارة اليمين عند ورود النصين بالإطلاق والتقييد فيه.

واحتج الشافعي في ذلك بالحديث: "ورخص في السلم" فقد أثبت في السلم رخصة مطلقة، واشتراط (٩) التأجيل فيه زيادة على النص، والمعنى فيه أنه معاوضة مال بمال، فيكون الأجل فيه يرقيها لا شرطًا كالبيع والإجارة، ولأن الظاهر من حال العاقد أنه لا يلتزم تسليم ما لا يقدر على تسليمه، فكان الظاهر أنه يقدر على تسليمه، وذلك يكفي لجواز العقد، ولئن لم يكن قادراً على التسليم فيما يدخل في ملكه من رأس المال يقدر على التحصيل والتسليم، ولهذا أوجبنا تسليم رأس المال على رب السلم أولاً قبل قبض المسلم فيه، وبهذا فارق الكتابة الحالة، قال: فإني لا أجوز الكتابة الحالة، فإن العبد يخرج من (١٠) بر (١١) مولاه غير مالك لشيء، فلا يكون قادراً على تسليم البدل، وبما يدخل في ملكه لا يقدر على التحصيل إلا بمدة، ولهذا (١٢) لا أجوزه إلا مؤجلاً.


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٢) في (ت): فإن.
(٣) في (ت): تجوز.
(٤) الظهار لغةً: مأخوذ من الظهر، يقال ظاهر من امرأته وتظاهر منها، وهو أن يقول الرجل لامرأته أنت كظهر أمي أو نحوه، أي إذا أراد تحريمها. ينظر: (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ٢/ ٣٨٨)، (مختار الصحاح مادة: ظهر ١٩٧). واصطلاحًا: هو تشبيه زوجته، أو ما عبر به عنها، أو جزء شائع منها، بعضو يحرم نظره إليه من أعضاء محارمه، نسبًا أو رضاعًا، كأمه وابنته وأخته. ينظر: (التعريفات للجرجاني ١٤٤).
(٥) في (ت): العمل.
(٦) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٧) في (ت): علمنا.
(٨) في (ت): علمنا.
(٩) في (ت): فاشترط.
(١٠) في (ت): عن.
(١١) في (ت): يد.
(١٢) في (ت): فلهذا.