للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: [كيف] (١) ترك التأسي بكتاب الله تعالى في تقديم المسافر وخارج المصر على المريض مع أن الله قدم ذكر المريض على المسافر في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣].

قلت: قال الشيخ [الإمام] (٢) -رحمه الله-: إنما قدم المسافر وخارج المصر؛ لأن الحاجة إلى ذكرهما أمس لكونهما أعم وأغلب؛ فإن المسافر وخارج المصر أكثر من المرضى، أو لأن عدم وجدان الماء مطلق في الآية فيتناول الكامل والكمال في حق المسافر وخارج المصر؛ لأن العدم فيهما حقيقي، وفي المريض حكمي.

وأما تقديم المريض في الآية لأن فيه بيان الرخصة، وفي شرع الرخصة مرحمة للعباد [والمرضى] (٣) أحق بالمرحمة.

قال الإمام شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله-: التيمم في اللغة القصد، ومنه قول [القائل] (٤):

وما أدري إذا [يممت] (٥) أرضًا … أريد الخير أيهما يليني

أي: [قصدت] (٦).

وفي الشريعة (٧): عبارة عن القصد إلى الصعيد للتطهير والاسم شرعي فيه [معنى] (٨) اللغة.

وثبوت التيمم بالكتاب والسنة:

أما الكتاب فقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]، ونزول الآية في غزوة المريسيع (٩) حين عرّس (١٠) رسول الله-عليه السلام- ليلة فسقطت من عائشة قلادة [لأسماء] (١١) فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول الله-عليه السلام-، فبعث رجلين في طلبها فنزلوا ينتظرونهما، [فأصبحوا] (١٢) وليس معهم ماء، فأغلظ أبو بكر على عائشة-رضي الله عنها-وقال: حبستِ رسول الله-عليه السلام-والمسلمين على غير ماء؟ فنزلت آية التيمم. فلما صلوا [بالتيمم] (١٣) جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب (١٤) عائشة-رضي الله عنها-[فجعل] (١٥) يقول: ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر. وفي رواية: يرحمك الله يا عائشة ما نزل


(١) في (ب): «فكيف».
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): «المريض».
(٤) في (ب): «الشاعر». هذا البيت: للمثقب العبدي واسمه عائذ بن محصن، ولقب المثقب لقوله، في قصيدة أولها:
أَفَاطُمِ قَبْلَ بَيْنكِ مَتِّعينِى … ومَنْعُكِ ما سَأَلْتكِ أَنْ تَبينِى
ومنها:
وثقبن الوصاوصَ للعيون
انظر: لباب الآداب للثعالبي (١/ ١٢٣)، الشعر والشعراء (١/ ٣٨٤).
(٥) في (أ): «تيممت» والتصويب من (ب) والمبسوط للسرخسي (١/ ١٠٦) باب التيمم.
(٦) انظر: الصحاح (٥/ ٢٠٦٤)، لسان العرب (١٢/ ١٣) مادة [قصد].
(٧) أي: شرعاً، قال في طلبة الطلبة (١/ ٩) «والتيمم التعمد»، وقال في مختار الصحاح (١/ ٣٤٩) «يتمم الصعيد للصلاة وأصله التعمد والتوخي».
(٨) في (ب): «بمعنى».
(٩) كتب في حاشية (أ): المريسيع: ماء بناحية قديد بين مكة والمدينة، روي بالعين والغين. وغزوة المريسيع هي غزوة بني المصطلق كانت قبل غزوة الخندق وبعد دومة الجندل حصن على خمس عشرة ليلة من المدينة. انظر: طبقات ابن سعد (٢/ ٦٣)، سيرة ابن هشام (٣/ ٢٤٧)، مغازي الواقدي (١/ ٤٠٤)، صحيح البخاري (٤٥/ ١١٥)، تاريخ الطبري (٢/ ٦٠٤)، أنساب الأشراف (١/ ٦٤)، تاريخ ابن كثير (٤/ ١٥٦)، السيرة الحلبية (٢/ ٣٦٤).
والمريسيع: -بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانية بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة-، هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم. فتح الباري (٧/ ٤٣٠).
وكانت ديار بني المصطلق جهة (قديد) وهي على بعد ١٢٠ كيلا من مكة إلى جهة المدينة، انظر: معجم المعالم الجغرافية (ص ٢٤٩)، ويبعد ماء «المريسيع» عن ساحل البحر قرابة (٨٠) كيلاً تقريباً. المصدر السابق (ص ٢٩١)، وانظر: تحديد وتفصيل ديار بني المصطلق وخزاعة عموماً في رسالة (مرويات غزوة بني المصطلق) للشيخ/ إبراهيم القريبي من (ص ٥٣ - ٥٨).
(١٠) عرّس: أي أقام، والتعريسُ: نزول القوم في السفر آخر الليل. انظر: الصحاح (٣/ ٩٤٨). مادة [عرس].
(١١) ساقطة من (ب).
(١٢) ساقطة من (ب).
(١٣) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(١٤) مضرب: المضرب هو الخَباء، أو المقيم في البيت، يقال: أضرب فلان في بيته، أي: أقام فيه. انظر: تهذيب اللغة (١٢/ ٥)، جمهرة اللغة (١/ ٣١٤)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٢/ ٣٥٩).
(١٥) ساقطة من (ب).