للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بك أمرٌ تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين فرجًا (١).

والسنة: ما روي عن النبي-عليه السلام-قال: «جُعِلَت لي الأرض مَسْجدًا وطهُورًا، أينَمَا أدْركتْني الصَّلاة تيمّمْت وصَلّيْت» (٢) (٣).

(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَهُوَ مُسَافِرٌ)

قوله -رحمه الله-: (ومن لم يجد ماءً) أي ماء يكفي لرفع الحدث؛ لأن ما دون ذلك مستوٍ [في] (٤) وجوده وعدمه إذ لا يثبت [به] (٥) استباحة الصلاة فأُلحق بالعدم.

فإن قلت: الله تعالى ذكر ماء نكرةً في موضع النفي فيتناول كل جزء منه فيكون مخاطبًا في حق ذلك القدر بالاستعمال؛ لأن ذلك القدر ماء طهورًا حقيقةً وحكمًا:

أما حقيقة: فظاهر.

وأما حكمًا: فإنه إذا استعمله ثم أصاب ماءً آخر لم يجب عليه إعادة الأول فصار كالعاري إذا وجد ثوبًا يستر بعض عورته يلزمه استعماله بقدره، وكذلك إذا كانت [به] (٦) نجاسة حقيقة فوجد ماءً لا يرفع جميعها؛ بل يرفع بعضها يجب عليه استعماله في ذلك القدر فينبغي أن يجب هنا أيضًا في النجاسة الحكمية استعمال ذلك القدر من الماء تقليلاً للنجاسة الحكمية كما هو مذهب الشافعي (٧).

قلت: إنا نقول: بموجب الآية أيضًا إن المراد منه ماء يكفيه للوضوء، وذلك لأن الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية فكان قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أي: ماء طهورًا، أي: محلاً للصلاة باستعماله في هذه الأعضاء وبوجود ماء لا يكفي للوضوء لم يوجد ماء محلل للصلاة، وهذا لا شك فيه لأن باستعمال هذا الماء لم يثبت شيء من الحل يقينًا؛ بل الحل موقوف على الكمال فإنه حكم، والعلة غسل الأعضاء كلها وشيء من حكم العلة لا يثبت ببعض العلة كبعض النصاب في حق الزكاة فصار هذا كمن وجد بعض الرقبة في الكفارة دون الكمال حل له التكفير بالصوم كما لو عدم الرقبة أصلاً؛ لأن المراد من الرقبة رقبة تكون كفارة، وهذا بخلاف النجاسة الحقيقية وستر العورة؛ لأن الواجب الذي يزال فيهما أمر حسي لأنه عورة طاهرة ونجاسة حقيقية وإذا كان حسيًّا اعتبر الزوال حسًّا لا حكمًا، والزوال حسًأ يثبت بقدر الماء الذي معه، وبقدر الثوب الذي معه يزول إنكشاف العورة حسًا فيجب استعماله، وأما هنا الطهارة حكمية، فلا يثبت شيء من الحكم ببعض العلة كالطلاق لا يثبت شيء منه بقوله: أنت في قوله: أنت طالق. وكذلك في سائر العلل أشار إلى هذا في «الأسرار» (٨).


(١) الحديث: رواه البخاري في صحيحه (٥/ ٢٩) باب فضل عائشة -رضي الله عنها-، ورواه مسلم في صحيحه (١/ ٢٧٩) -٣ كِتَاب الْحَيْضِ-باب التيمم-.
(٢) المبسوط للسرخسي (١/ ١٠٦) باب التيمم.
(٣) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (١/ ٤٣٥) (٣٣٥) بإسناده عن جابر -رضي الله عنه-، -كتاب الطهارة- باب التيمم، ومسلم في صحيحه (١/ ٣٧٠) (٥٢١) -كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(٦) ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).
(٧) انظر: هذه المسألة في مذهب الشافعي في: نهاية المحتاج (١/ ٢٢٩)، حاشية الجمل (١/ ١٦٢).
(٨) اتظر: الأسرار ص (٤١٨ - ٤٢٣) باب التيمم.