للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

و (١) الاستصناع محكم في تناول ما وضع له غير محتمل لشيء آخر، فيحمل لمحتمل (٢) على الحكم (٣)، فيقال: إن ذكر الأجل للتعجيل؛ ليترجح الحكم (٤) على المحتمل، وليكون الاستصناع على حقيقة.

وذكر في المبسوط (٥): أن الاستصناع بدون ذكر الأجل عقد جائز غير لازم، فيذكر الأجل فيه لا يصير لازمًا كعقد الشركة والمضاربة، وهذا لأن ذكر الأجل أثر فيه تأخير المطالبة، ولا يعتبر العقد من جنس إلى جنس آخر، ولو كان الاستصناع بذكر الأجل فيه يصير سلمًا، فصار السلم بحذف الأجل منه استصناعاً، ولو كان هذا سلمًا لكان سلمًا فاسدًا؛ لأنه شرط فيه صنعة صانع بعينه، وذلك مفسد للسلم، وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول: هذا مبيع دين، والمبيع الدين لا يكون إلا سلمًا، كما لو ذكر لفظة السلم، وبيانه ما ذكرنا أن المستصنع فيه مبيع، والأجل لا يثبت إلا في الديون، فلما ثبت فيه الأجل ههنا [عرفنا] أنه مبيع دين، وتأثيره أن المعتبر ما هو المقصود، وبه يختلف العقد، لا باعتبار اللفظ، ألا ترى أنه لو قال: ملكتك هذه العين بعشرة دراهم كان بيعًا، ولو قال: سكنى هذه الدار شهراً كان إجارة، فعرفنا أن المعتبر ما هو المقصود، ثم السلم أقرب إلى الجواز من الاستصناع، فإن (٦) كل واحد منهما مستحسن، ولكن الآثار في السلم مشهورة، وهو جائز فيما للناس فيه تعامل، وفيما لا تعامل فيه، فكان الأصل فيما قصداه (٧) السلم، إلا إذا تعذر جعله سلمًا بأن لم يذكر فيه أجلاً، فحينئذ يجعل استصناعاً، فأما إذا أمكن جعله سلمًا بأن ذكر الأجل يجعل سلمًا، ولأن الأجل مؤخّر للمطالبة، ولا يكون ذلك إلا بعد لزوم العقد، واللزوم في السلم دون الاستصناع، فثبوت الأجل فيه دليل على أنه سلم، فذكر الصنعة لبيان وصف المسلم فيه، ولهذا لو جاء به مفروغًا عنه لا من صنعته يجبر على القبول، وبهذا يتبين فساد قولهم: أنه سلم شرط فيه صنعة صانع بعينه، وما قالا (٨) بأن السلم يحذف (٩) الأجل (لا يصير) (١٠) استصناعاً يشكل بالمتعة لا يصير نكاحاً بحذف المدة عنها، ثم النكاح بذكر المدة فيه يصير متعة، وهو ما إذا تزوج امرأة شهراً، كذا في المبسوط (١١).


(١) في (ت): أو.
(٢) في (ت): المحتمل.
(٣) في (ت): المحكم.
(٤) في (ت): المحكم.
(٥) المبسوط (١٥/ ٨٦).
(٦) في (ت): وإن كان.
(٧) في (ت): قصد له.
(٨) في (ت):. قالاه
(٩) في (ت): بحذف.
(١٠) في (ت): يصير.
(١١) المبسوط (١٢/ ١٤٠).