للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن (١) قيل: يجب أن لا تصح الزيادة في الثمن من الأجنبي؛ لأن أصل الثمن لا يجوز أن يجب على الأجنبي، والمبيع لغيره، فكذلك الزيادة يجب أن لا تجوز من الأجنبي إذا كان ما بإزائها يحصل لغيره.

قلنا: ذكر الفقيه أبو بكر الجصاص (٢) (٣)، عن الشيخ أبي الحسن الكرخي -رحمهم الله- أورد هذا السؤال ومنع وقال: يجوز أن يكون أصل الثمن على الأجنبي، والمثمن لغيره، كما تجوز الزيادة في الثمن من الأجنبي وما بإزائها لغيره، وقال: ولا يعرف في هذا رواية منصوص عليها عن أصحابنا.

بخلاف ما قلنا فساغ [لنا] (٤) المنع، فعلى هذا لا يحتاج إلى الفرق، ثم قال الجصاص: هذا المنع الذي ذكره الكرخي مما يبعد، وذلك لأن عن أصحابنا رواية في هذا، فإن محمدًا -رحمه الله- ذكر في كتاب الصرف وغيره: أن من اشترى شيئاً بدين له على غيره لا يصح هذا الشراء عند علمائنا؛ لأنه اشترى بشرط أن يكون تسليم الثمن على غيره والثمن لغيره، وإذا كان الشراء بشرط أن يكون تسليم الثمن على غيره والثمن لغيره، وإذا كان الشراء بشرط أن يكون تسليم الثمن على غيره باطلاً، فلا (٥) يبطل الشراء إذا كان بشرط أن يكون وجوب الثمن والتسليم على غير المشتري أولى، وإذا كان كذلك لم يكن بد من الفرق، والفرق أن القياس بأي (٦) جواز (٧) الزيادة (٨) من الأجنبي في الثمن؛ لأنها بدل المال معاوضة من غير أن يحصل بإزائه عوض، وذلك لا يجوز؛ اعتباراً بأصل الثمن، إلا أنا تركنا القياس بالنص الوارد بجواز قضاء الدين من الأجنبي شرعًا، وهو حديث أبي قتادة الأنصاري (٩) -رضي الله عنه- حيث امتنع النبي -عليه السلام- عن الصلاة على رجل من الأنصار لمكان (١٠) (دين عليه) (١١)، قال أبو قتادة: هو على وإلي، وفي ** (١٢) يا رسول الله، وجود (١٣) ذلك منه، حتى صلى على الميت (١٤)، وذلك القضاء منه بذل المال عوضاً عن دينه من غير أن يحصل له عوض بإزائه، والشرع جوز ذلك؛ لما أشرنا إليه، والزيادة من الأجنبي في الثمن في معناه، فكانت ملحقة به؛ (استدلالاً به) (١٥).


(١) في (ت): وإن.
(٢) أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص من أهل الري، من فقهاء الحنفية، سكن بغداد ودرس بها تفقه الجصاص على أبي سهل الزجاج، وعلى أبي الحسن الكرخي، انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إمامًا، رحل إليه الطلبة من الأفاق. من تصانيفه: (أحكام القرآن)، و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)، و (شرح الجامع الصغير). الجواهر المضية (١/ ٨٤)، والأَعْلَام للزركلي (١/ ١٧١).
(٣) العناية شرح الهداية (٧/ ١٢٣).
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٥) في (ت): فلأن.
(٦) في (ت): بأن.
(٧) في (ت): جوازه.
(٨) في (ت): بزيادة.
(٩) أبو قتادة الأنصاري اسمه الحارث بن ربعي بن بلدمة الأنصاري الخزرجي السلمي فارس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في شهوده بدرا، فقال بعضهم: كان بدريا. وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد كلها. توفي بالكوفة في خلافة علي، وصلى عليه علي فكبر سبعا. أسد الغابة في معرفة الصحابة (٦/ ٢٤٤).
(١٠) في (ت): لما كان.
(١١) في (ت): عليه دينا.
(١٢) في (ت): مال.
(١٣) في (ت): وجوز.
(١٤) أخرجه مسلم في كتاب الحوالات- باب إن أحال دين الميت على رجل جاز (٢٢٩١).
(١٥) في (ت): استدلاله.