للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- (١): الفرق بين المسألتين من وجهين فقال في المسألة الأولى: ضمن الأجنبي الخمسمائة وصير نفسه زعيمًا حيث قال: من الثمن فيجب عليه، بخلاف ما إذا [قال] (٢) له: بعه من فلان بألف درهم، على أني ضامن لكن خمسمائة، ولم يقل: من الثمن، فباعه بألف درهم، فإن البيع جائز بألف درهم، ولا شيء على الضامن؛ لأن هناك رشاه على البيع بما سمي من المال، والرشوة حرام لا يلتزم بالضمان.

ثم تحقيق هذا الفرق من وجهين:

أحدهما: أن البيع سبب موجب للثمن، فإذا قال: من الثمن، فإنما جعل الخمسمائة على نفسه مستحق (٣) للبائع بالبيع، وذلك جائز، وإذا لم يقل: من الثمن، فإنما جعل الخمسمائة للبائع على نفسه بالالتزام ابتداء لا بالبيع، وذلك رشوة التزمها لتحصيل المقصود.

والثاني: أنه إذا قال: من الثمن فقد صار مضيفاً الالتزام (٤) في (٥) ما بعد البيع؛ لأن وجوب الثمن يكون بعد البيع، وإذا لم يقل: من الثمن كان هذا التزاماً منه في الحال، بشرط أن يبيعه منه بألف درهم، وذلك [منه] (٦) غير صحيح.

فإن قيل: كيف يجب شيء من الثمن عليه بالبيع ولم يدخل في ملكه شيء من المعقود عليه.

قلنا: التزام الثمن بالبيع مقصودًا لا يكون إلا ممن يدخل المبيع في ملكه، فأما بيعًا فقد يكون من غير ملكه من يدخل المبيع في ملكه، ولهذا جوزنا من المشتري الزيادة في الثمن، وهذا (٧) لا يملك شيئاً بمقابلة هذه الزيادة؛ لأن المبيع صار مملوكًا [له] (٨) كله بالثمن الأول، ولكن لما كانت هذه الزيادة تثبت تبعًا (٩) وإن لم يملك بمقابلتها شيئاً، كذلك ههنا القائل [إنما] (١٠) يلتزم الخمسمائة من الثمن تبعًا.

فإن قيل: لو ثبتت هذه الخمسمائة ثمنًا له لتوجهت الطالبة [المطالبة] بها على المشتري، ثم الضامن يكون متحملاً عنه، وبالاتفاق لا يطالب المشتري بها.

قلنا: نعم لا يطالب بها؛ لأنه لم يلتزمها، وإنما يطالب بها من التزمها، ويكون من الثمن في حق من التزمها، لا في حق من لم يلتزمها؛ لأن ثبوت الحكم بحسب السبب، وهو كالرجل يقول: بفلان (١١) على فلان ألف درهم، وإنابة (١٢) كفيل (١٣) [به] (١٤)، وأنكر الأصيل ذلك، فإن الكفيل يصير مطالباً بالألف، والأصيل لا يصير مطالباً بشيء منه لهذا المعنى، وذكر في الفوائد الظهيرية (١٥) سؤالاً وجواباً بوجه آخر فقال:


(١) المبسوط (٢٢/ ١٥٧).
(٢) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٣) في (ت): مستحقا.
(٤) في (ت): للالتزام.
(٥) في (ت): إلى.
(٦) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٧) في (ت): وهو.
(٨) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٩) في (ت): ضمنا.
(١٠) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(١١) في (ت): لفلان.
(١٢) في (ت): وأنا.
(١٣) الكَفيل: هو الذي ضَمَّ ذمَّته إلى ذمة الآخر والآخرُ هو الأصيل والمكفول عنه والطالبُ هو الدائنُ وهو المكفول له والشيءُ الذي تعهَّد الكفيل بأدائه وتسليمه هو المكفول به. التعريفات الفقهية (١/ ١٨٣).
(١٤) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(١٥) العناية شرح الهداية (٧/ ١٢٣).