للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن اشترى عبدًا فغاب، أي المشتري قبل نقد الثمن، فأقام البائع البينة أنه باعه إياه، أي أقر البائع بأن البائع باع هذا العبد من ذلك المشتري الغائب، وأقام البينة على ذلك، ثم إنما ذكر إقامة البينة؛ لأن البائع لو طلب من القاضي أن يبيعه لثمنه، وقص عليه القصة، فالقاضي لا يجيبه من غير بينة؛ للتهمة، وإنما وضع المسألة في المنقول؛ لأن القاضي لا يبيع العقار على الغائب، وهاتان المسألتان في الجامع الصغير (للإمام التمرتاشي) (١) (٢).

فإن قلت (٣): كيف يقبل البينة من غير خصم حاضر ينكر موجب شهادة البينة، مع أن شرط قبول البينة إنكار خصم حاضر، والمشروط لا يثبت بدون شرطه.

قلت: قال الإمام شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- (٤): أما قبول هذه البينة من غير خصم حاضر فلتكشف (٥) الحال، أو لأنه يدعي ثبوت ولاية النظر للقاضي في هذا المال بسبب غيبة صاحبه، فالقاضي ناظر لكل من عجز عن النظر لنفسه، والحاجة إلى النظر [لنفسه] ههنا حاجة ماسة لهما جميعًا، أما للمشتري (٦) فلأن العبد ملكه، وهو محتاج إلى النفقة، وأما البائع لأنه (٧) يعرض الهلاك في يده، وبهلاكه يسقط حقه في الثمن، فلهذا قبل (٨) البينة.

وحاصله أن حكم القاضي هذا في الحقيقة حكم بإقرار المقر، وإنما اشترط (٩) مع ذلك إقامة البينة؛ لإظهار الأمر عند القاضي، ونفي التهمة، لا لإثبات الملك للغائب والدين عليه، وإنكار الخصم في الدعوى إنما يشترط لقبول البينة أن لو كان المدعي يدعي إثبات الحق على المدعى عليه، والقاضي يقضي بموجب إقامة البينة، وأما ههنا فالقاضي يقضي بموجب إقرار المقر بما في يده، فلا يحتاج لذلك إلى إنكار الخصم حاضر، وهذا لأن العبد في يد البائع، والقول قول الإنسان فيما في يده، ألا ترى أنه لو ادعى أنه ملكه كان القول قوله، فإذا أقر بالبيع فقد أقر للغائب بالملك على وجه يكون مشغولاً لا بحقه؛ لأن الثمن تعلق بالمبيع، فيعتبر إقراره واشتراط البينة؛ لينفي (١٠) التهمة، إلى هذا أشار الإمام قاضي خان -رحمه الله- (١١).


(١) في (ت): لقاضي خان.
(٢) الجامع الصغير (١/ ٣٦٦).
(٣) في (ت): قيل.
(٤) المبسوط (١١/ ٣٨).
(٥) في (ت): فكشف.
(٦) في (ت): المشتري.
(٧) في (ت): فلأنه.
(٨) في (ت): قبلت.
(٩) في (ت): يشترط.
(١٠) في (ت): لنفي.
(١١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٢٨).