للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: في قبض جميع العبد، على تقدير نقد جميع الثمن، [والباقي] (١) في احتباس نصيب الغائب عنه إذا حضر؛ لأنه يستوفي نصيبه من الثمن.

وذكر الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٢): فالحاضر (٣) لا يملك قبض نصيبه إلا بنقد جميع الثمن، فلو (٤) نقد اختلفوا في مواضع:

الأول: هل يجبر البائع على قبول نصيب الغائب، عند أبي يوسف: لا يجبر، خلافاً لهما.

والثاني: لو قبل، هل يجبر على تسليم نصيب الغائب إلى الحاضر، عنده لا، خلافاً لهما.

والثالث: لو قبض الحاضر العبد، هل يرجع على الغائب بما نقد عليه عنده، خلافاً لهما.

وقال أبو يوسف: إذا دفع الحاضر الثمن كله لم يقبض إلا نصيبه، أي يقبض نصيبه بطريق المهايأة، ولهما أنه مضطر فيه إلى قوله: كمعير الرهن.

فإن قلت: لو كان التعليل بالاضطرار معولاً عليه لما تفاوت الحكم بين أن يكون شريكه حاضراً وغائباً، كما في صاحب العلو، فإنه يبني السفل ليبني عليه علوه، فإنه لا يكون متبرعًا ببناء السفل، سواء كان صاحب السفل حاضراً أو غائباً، وههنا لو كانا حاضرين ثم أراد أحدهما أن ينقد حصته ليقبض نصيبه ليس له ذلك بالإجماع، ولو نقد نصيبه كان متبرعًا فيما نقد بالإجماع.

قلت: الملك للغائب إنما يثبت في نصيبه باعتبار قبول الحاضر؛ لأن من خاطب اثنين بالبيع فقبل أحدهما دون الآخر، لم يملك شيئاً منه، وإذا ثبت أن الملك له باعتبار قبول الحاضر كان الحاضر بمنزلة الوكيل عنه بالشراء، فإذا نقد الثمن تمكن من قبض المبيع، وثبت له حق الرجوع على صاحبه بنصيبه، إلا أنه وكيل من وجه دون وجه؛ لأنه لا يكون مطالباً بنصيب صاحبه من الثمن بعد قبوله، فمن هذا الوجه يكون كالمتبرع، والأصل أن ما تردد بين شهرين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالمتبرع.

قلنا: إذا كان صاحبه حاضراً لا يرجع عليه ولشبهه بالوكيل.

قلنا: إذا كان صاحبه غائباً يرجع (٥) عليه بما أدّى عنه، ويتمكن من قبض نصيبه، وهذا لأن في حال حضرته هو غير مضطر إلى إيفاء جميع الثمن من مال (٦)؛ لأنه يمكنه أن يخاصمه إلى القاضي حتى ينقد نصيبه من الثمن؛ ليتمكن من هو من قبض نصيبه من العبد، وفي حال غيبته هو مضطر إلى ذلك؛ لأنه لا يتوصل إلى نصيبه من العبد إلا بدفع جميع الثمن، فإن الصفقة في حق البائع واحدة، فلهذا (٧) جعلناه كالوكيل في هذه الحالة؛ ليقبض جميع العبد إذا نقد جميع الثمن، ثم يرجع على صاحبه بنصيبه، ويحبس نصيبه عنه؛ ليستوفي منه ما ثبت له حق الرجوع به، كما يثبت للوكيل حق حبس المبيع إذا نقد الثمن من مال نفسه، كذا في الجامع الصغير (٨) لشمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- (٩).


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٢) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٢٩).
(٣) في (ت): والحاضر.
(٤) في (ت): ولو.
(٥) في (ت): رجع.
(٦) في (ت): ماله.
(٧) في (ت): ولهذا.
(٨) شرح الْجَامِع الصَّغِير للشيباني فِي الْفُرُوع.
(٩) المبسوط (١٤/ ١١٠).