للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما صاحب العلو فإنه مضطر إلى أن يتوصل إلى حقه من بناء العلو، سواء كان صاحب السفل حاضراً أو غائباً؛ لأنه ليس له أن يخاصمه في أن يبني السفل ليبني هو عليه علوه، فلذلك افترقا، كمعير الرهن بأن أعار شيئاً ليرهنه فرهنه، ثم أفلس الراهن، وهو المستعير، أو غاب فافتكه المعير يرجع بما أدى من الدين على الراهن، وإن [كان] (١) قضى دين الراهن بغير أمره؛ لأنه مضطر في القضاء، أو (٢) لا يتمكن من الانتفاع بماله إلا بقضاء الذين (٣)، فكذلك ههنا.

فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا استأجر الرجلان داراً، فغاب أحدهما قبل نقد الأجر لصاحب الدار، فنقد الحاضر كل الأجر، فإنه يكون متبرعًا بالإجماع.

قلت: لأنه غير مضطر في نقد نصيب صاحبه من الآجر من قبل أنه ليس للآجر جنس الدار لاستيفاء الأجر، كذا ذكره الإمام التمرتاشي (٤).

ومن اشترى جاريةً بألف مثقال ذهب وفضة، بأن قال: خريدم بهزار مثقال زر ونقرة فهما نصفان، ولفظ رواية الأصل من الجامع الصغير (٥): يعقوب (٦)، عن أبي حنيفة -رحمهما الله- في رجل يقول لرجل: أبيعك هذه الجارية بألف مثقال ذهب جيد وفضة، قال: هما نصفان خمسمائة مثقال ذهب وخمسمائة مثقال فضة، قال أبو جعفر -رحمه الله-: فائدة هذا الكتاب (٧) أن قوله: أبيعك كقوله: بعتك، فظاهره العدة، ويراد به الإيجاب، وليست هذه اللفظة في كتاب البيوع، إنما فيه: إذا باع جارية، ولكن ذكر فخر الإسلام -رحمه الله- في الجامع الصغير: أن قوله: أبيعك ليس بإبجاب، بل هو من باب المساومة.

وفائدة أخرى أن في مسألة البيوع قدم الفضة وأخر الذهب، فقال: ألف مثقال فضة وذهب جيد، وفي هذه الرواية: ذكر الذهب، ثم الجيد، ثم الفضة، فلولا هذه الرواية لقيل: أن مقدار المثقال غلب استعماله في الذهب لا في الفضة، فإذا قدم الذهب وأضاف المثقال إليه ثم قال: وفضة، لم يستعمل المثقال في الفضة، فصار كأنه باع بألف مثقال ذهب وبفضة (٨) مجهولة المقدار، فالبيع باطل، وأما إذا قال: ألف (٩) مثقال فضة، فقد أضاف المثقال إلى الفضة فلابد من اعتباره فيها، ثم عطف عليه الذهب الذي يليق بذلك المقدار، فاجتمعا جميعًا في المثقال، وأخذ من كل جنس بصفة، فرواية الجامع أزالت هذه الشبهة.


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٢) في (ت): إذ.
(٣) في (ت): الدين.
(٤) العناية شرح الهداية (٧/ ١٢٨).
(٥) فتح القدير (٧/ ١٢٩).
(٦) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم.
(٧) في (ت): الكلام.
(٨) في (ت): وفضة.
(٩) في (ت): بألف.