للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: الجودة صفة لهما أو للذهب خاصة.

قلنا: فهما (١) جميعًا؛ لأنه عطف أحدهما على الآخر.

ألا ترى أن رجلاً لو قال: عبدي حر غدًا، وامرأتي طالق، أنهما يقعان جميعًا غدًا، وكذلك لو قال: عبده حر وامرأته طالق غدًا، كذا في كشف الغوامض (٢).

قال (٣): وبمثله، وهذا (٤) اللفظ في استعمال الفقهاء فيما إذا كانت المسألتان يتشابهان صورة ويختلفان حكمًا، وهنا كذلك، ولو (٥) اشترى جارية بألف من الذهب والفضة، يجب من الذهب مثاقيل، ومن الفضة دراهم وزن سبعة، يعني خمسمائة يكون من مثقال ذهب، وخمسمائة من الدراهم، يكون بوزن سبعة.

وذكر في المبسوط (٦): وإذا باع جارية بألف مثقال وذهب وفضة، أو دراهم ودنانير، كان له من كل واحد منهما النصف؛ لأن الواو للعطف، ومطلق العطف يوجب الاشتراك على وجه المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه، إلا أنه إن كان قال: ألف مثقال فعليه خمسمائة مثاقيل ذهب وخمسمائة مثقال فضة؛ لأنه فسّر المثاقيل بالذهب والفضة، وإن قال: ألف من الدراهم والدنانير، فعليه خمسمائة دينار بالمثاقيل وخمسمائة درهم وزن سبعة؛ لأنه هو المتعارف في وزن الدراهم فينصرف إليه، وقال الإمام التمرتاشي: اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة، وهما (٧) نصفان؛ لأنه أضاف العقد (٨) إليهما على السواء، ويشترط بيان صفتهما (٩)، بخلاف الدراهم والدنانير ينصرف إلى الجيد.

وكذا لو قال: له علي مائة مثقال ذهب وفضة، فعليه من كل واحد النصف، وكذا هذا في جميع ما يقر به من المكيل والموزون والثياب وغيرهما (١٠)، قرضاً أو سلمًا أو غصباً أو وديعة أو بيعًا أو شراء أو مهراً أو جعلاً (في خلع) (١١) أو وصيةً أو كفالةً أو غير ذلك، وكذا لو قال: له علي كر حنطة (وشعير وسمسم) (١٢)، كان عليه الثلث من كل جنس، وهو لا يعلم، أي رب الدين لا يعلم.

لأن حقه في الوصف مرعي كهو (١٣) في الأصل، أي حق رب الدين في وصف الدين من حيث الجودة واجب رعايته، كحقه في (١٤) الأصل من حيث القدر، فلو كان المقبوض دون حقه قدراً لم يسقط حقه في المطالبة بقدر النقصان، فكذلك إذا كان دون حقه وصفاً، إلا أنه يتعذر عليه الرجوع بفضل القيمة؛ لأنه لا قيمة للجودة عند المقابلة (١٥) بجنسها، فيرد (١٦) عين المقبوض إن (١٧) كان قائمًا، ومثل المقبوض إن كان مستهلكًا؛ لأن مثل الشيء يحكى عينه، ولهما أنه من جنس حقه، أي أن الزيوف (١٨) من جنس حقه الذي هو الجياد، حتى لو تجوز به، أي لو أخذه مساهلاً (١٩) لنقصان حقه فيما (٢٠) لا يجوز الاستبدال كما في الصرف والسلم جاز، وإنما عين ذلك الموضع؛ لأنه لو تجوز بالأخذ فيما يجوز الاستبدال فيه لا يكون ذلك دليلاً على أن ذلك المأخوذ من جنس حقه، حتى أنه لو كان له دين على آخر في غير موضع الصرف والسلم جاز له أن يستبدل (٢١) بالثياب وغيرها.


(١) في (ت): لهما.
(٢) كتاب كشف الغوامض لأبي جعفر الهنداوني الفقيه ذكر فيه: بعض ما أورده مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ في: (الجامع الصغير) توفي: سنة ٩٦٣ هـ. كشف الظنون (٢/ ١٤٩٣).
(٣) في (ت): قوله.
(٤) في (ت): فهذا.
(٥) في (ت): لو.
(٦) المبسوط (١٢/ ١٦٢).
(٧) في (ت): فهما.
(٨) في (ت): النقد.
(٩) في (ت): صفتها.
(١٠) في (ت): وغيرها.
(١١) في (ت): أو خلعا.
(١٢) في (ت): أو سمسم أو شعير.
(١٣) في (ت): كما.
(١٤) في (ت): و.
(١٥) في (ت): المطالبة.
(١٦) في (ت): ويرد.
(١٧) في (ت): إذا.
(١٨) الزيوف: الرديئة، يقال: درهم زيف وزائف: إذا كان رديئًا. قَالَ بَعْضُهُمْ الزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ الْمَعْقُودِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ زَمَانِنَا وَقَدْرُهَا مِثْلُ: سَنْجِ الْمِيزَانِ. المصباح المنير (١/ ٣٦١).
(١٩) في (ت): مقابلا.
(٢٠) في (ت): وفيما.
(٢١) في (ت): يستبدله.