للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: شرط الجواز ما يشترط مقارنًا لحالة العقد، إلا أن اشتراط القبض مقارنًا لحالة العقد من حيث الحقيقة غير ممكن من غير تراض؛ لما فيه من إثبات اليد على مال الغير بغير رضاه، فعلّقنا الجواز بقبض يوجد في المجلس؛ لأن في المجلس العقد حكم [حالة العقد كما] في الإيجاب والقبول، فصار القبض الموجود بعد العقد إذا وجد في مجلس العقد كالموجود وقت العقد من حيث الحكم، ولو كان موجودًا وقت العقد من حيث الحقيقة كان شرط جواز العقد.

فكذا إذا كان موجودًا وقت العقد من حيث الحكم، ثم اختلف المشايخ أن التقابض قبل الافتراق شرط صحة العقد أو شرط بقائه على الصحة، فعلى قول من يقول: أنه شرط بقاء العقد لا يتأتى هذا الإشكال، وعلى قول من يقول: شرط صحة العقد يتأتى هذا الإشكال، ولكن وجه الجواب ما ذكرنا، كذا في الذخيرة والمحيط.

وذكر في المبسوط (١): الصرف اسم لنوع بيع، وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض، والأموال أنواع ثلاثة: نوع منها في العقد ثمن على كل حال، وهو الدراهم والدنانير، صحبها حرف الباء أو لم يصحبها، سواء كانا يقابلها من جنسها أو من غير جنسها.

ونوع منها: هو مبيع على كل حال، وهو ما ليس من ذوات الأمثال من العروض والدواب والمماليك.

ونوع: هو ثمن من وجه ومبيع من وجه، كالمكيل والموزون، فإنها إذا كانت معينة في العقد يكون مبيعة، وإذا لم يكن معينة فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهي ثمن، وإن لم يصحبها حرف الباء وقابلها ثمن فهي مبيعة، وهذا لأن الثمن ما يثبت دينًا في الذمة، والنقود لا يستحق بالعقد إلا دينًا في الذمة، وإذا قلنا: أنها لا تتعين بالتعيين فكانت ثمنًا على كل حال، والعروض لا يستحق بالعقد إلا عينًا فكانت مبيعة، والسلم في بعضها رخصة شرعية فلا يخرج به من أن يكون مبيعًا، والمكيل والموزون مستحق عينًا بالعقد تارة ودينًا أخرى، فيكون ثمنًا في حال [مبيعًا في حال] (٢).

قال: أولاً لا يطلب منه إلا الزيادة، إذ لا ينتفع بعينه، يعني أن غير الدراهم والدنانير ينتفع بعينه كاللحم والثوب.

وأما في الدراهم والدنانير فإنما ينتفع بغيرهما، وهو يقابلها من المبيع، فلما كان كذلك لا يطلب في بيع الدراهم والدنانير إلا زيادة يحصل فيما يقابلهما من الجودة والصناعة؛ لأنه لو لم يطلب الزيادة، وذلك العين بدون الزيادة حاصل له، فلا فائدة لهما في بيع الصرف، بخلاف شراء اللحم مثلاً، فإن مقصود المشتري هو حصول نفس اللحم، لا زيادة قيمته؛ لأن مقصوده دفع الجوع، وهو يحصل بنفس اللحم، فلما كان كذلك كانت إرادة الزيادة مطلوبة في بيع الصرف قطعًا، والصرف هو الزيادة لغة، وكذلك اختص بيع الصرف بذلك الاسم، وهذا الذي ذكرنا في بيع الجنس بالجنس نحو بيع الذهب بالذهب، أو بيع الفضة بالفضة ظاهر.


(١) المبسوط (١٤/ ٢).
(٢) المبسوط (١٤/ ٢).