للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الأخيرة، أي وفي المسألة الأخيرة، وهي ما إذا باع درهمًا وثوباً بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض فسد البيع في الدرهمين، قلنا هناك: العقد صحيح من غير أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس، فإن القبض في المجلس شرط بقاء العقد صحيحًا، لا بشرط الانعقاد صحيحًا.

ونحن إنما صححنا هذا لتصحيح العقد لا للبقاء صحيحًا، فلا يلزم، كذا في المبسوط (١)، فإنا قد ذكرنا من الذخيرة (٢) بأن صرف الجنس إلى الجنس أصل في البياعات إذا لم يكن فيه فساد العقد، وههنا كذلك، فصرفنا الجنس إلى الجنس؛ عملاً بالأصل، وصح العقد أيضاً؛ لانعدام فصل أحدهما على الآخر عند صرف الجنس [إلى] الجنس، ثم فسد العقد بعد الصحة بسبب معنى طارئ، وهو الافتراق من غير قبض في بيع الصرف، وليس كلامنا في الفساد الطارئ فلا يرد علينا نقض.

ومن باع أحد عشر درهمًا بعشرة دراهم ودينار، كانت المسألة التي قبل هذا في بيع الصرف أيضاً، لكن كل واحد من طرفي بدليه مشتملاً على جنسين مختلفين، وهنا أحد الطرفين في جنس واحد، والآخر مشتمل على جنسين مختلفين، لكن بزيادة في الجنس الواحد على ما روينا، وهو قوله -عليه السلام-: «الفضة بالفضة، مثل بمثل» (٣).

والظاهر أنه أراد به ذلك، أي أن البائع أراد بهذا العقد الذي ذكرناه، وهو أن يكون العشرة بمثلها، والدينار بدرهم؛ حملاً لأمره على الصلاح، وهو الإقدام في العقد الجائز لا في الفاسد والجائز فيما قلنا.

ولو تبايعا فضة بفضة، ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز، صورته: إذا باع عشرة دراهم ولو بالخمسة عشر درهمًا، وذكر هذه المسألة في الإيضاح (٤) على الخلاف فقال: وروي عن محمد أنه إذا باع الدراهم بالدراهم في أحدهما فصل من حيث الوزن، وفي الجانب الذي لا فصل فيه فلوس، قال: هو جائز في الحكم، ولكني أكرهه، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: لا بأس به؛ لأنه أمكن التصحيح، بأن يجعل الجنس بالجنس، والزيادة بإزاء الفلوس، وإنما كره محمد -رحمه الله- ذلك؛ لأنه إذا جاز على هذا الوجه ألف الناس التفاضل فاستعملوه فيما لا يجوز، وكذا أيضاً في المحيط (٥).


(١) المبسوط (١٢/ ١٩١).
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٢٢٤).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (٢١٧٧)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (١٥٨٤).
(٤) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ١٩٢).
(٥) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٢٢٧)، فتح القدير (٧/ ١٤٨).