للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إنما يكره؛ لأنه احتال السقوط الربا ليأخذ الزيادة بالحيلة فيكره، كبيع العينة فإنه مكروه (١) لهذا.

فإن قيل: لو كان هذا مكروهًا لكان البيع في المسألة التي قبلها مكروهًا أيضاً، إذ هي عين هذه المسألة؛ لأنهما تبايعا فضة بفضة؛ لأن الدراهم عين الفضة، ومع أقلهما شيء آخر، وهو الدينار.

قلنا: إنما لم يذكر الكراهة هناك؛ لأنه وضع المسألة فيما إذا كان الزايد الدينار بمقابلة الدرهم، وقيمة الدينار يبلغ الدرهم ويزيد، في هذه الصورة لا كراهة، وإنما الكراهة فيما إذا لم يبلغ قيمة ذلك الشيء المضموم قيمة باقي الفضة على ما ذكر في الكتاب (٢).

قال: وإن لم يبلغ كالجوزة وكف من زبيب، ومن له على آخر عشرة دراهم، فباعه الذي عليه العشرة ديناراً بعشرة دراهم، ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة، فهو جائز، هذا جواب الاستحسان. وفي القياس: لا يجوز، وهذه المسألة على وجهين: أما إن باع الدينار بالعشرة التي له عليه، أو باع الدينار بعشرة مطلقة، وقبض الدينار، وجعلا ثمن الدينار قصاصاً بالعشرة، فالأول جائز بلا خلاف لما يجيء، والثاني جائز استحساناً، والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر، وأجمعوا على أنهما ما لم يتقاصا لا تقع المقاصة، وجه [القياس]: أن هذا استبدال ببدل الصرف، فلا يجوز، كما لو أخذ ببدل الصرف عرضاً أو ديناراً، أو كما فعل بدل الصرف قصاصاً بدين وجب بعقد ناشرة بعد الصرف لا يجوز، ولهذا لو جعلا رأس مال السلم قصاصاً بدين واجب قبل السلم لا يجوز، وكما لا يجوز الاستبدال برأس مال السلم، لا يجوز ببدل الصرف.

أو نقول: لو صح القصاص ههنا لا يخلو إما أن يصير قصاصاً صح بقاء الصرف الأول أولاً مع بقائه، لكن بانفساخ الأول وانعقاد الآخر لا وجه إلى الثاني لوجهين:

أحدهما: أن ذلك يكون بطريق الاقتضاء، وزفر لا يقول به.

والثاني: أن كونه قصاصاً يبقى تقدير الانفساخ والانعقاد؛ لأن بتقدير الانفساخ والانعقاد لا يتحقق القصاص؛ لاقتصار القصاص إلى سبق الإيجاب، ولا وجه إلى الأول؛ لأن القصاص حينئذ يكون استبدالاً للاستيفاء؛ لأن علامة الاستيفاء قبض عين مضمون من جنس بدل الصرف بعد عقد الصرف.


(١) المَكْروه: ما هو راجح الترك فإن كان إلى الحرام أقربَ تكون كراهةً تحريميّةً، وإن كان إلى الحلِّ أقربَ تكون تنزيهيّةً. ومعنى القرب إلى الحرمة أنه يستحق فاعلُه العتابَ ومعنى القرب إلى الحلِّ أنه لا يستحق فاعله العتاب، بل يستحقُّ تاركه أدنى الثواب. التعريفات الفقهية (٢/ ٢٥١).
(٢) فتح القدير (٧/ ١٤٨).