للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجه الاستحسان: أنهما لما أقدما على المقاصة، ولا صحة للمقاصة مع بقاء عقد الصرف لما [إلا لما قال زفر، وهو لزوم الاستبدال في بدل الفرق قبل القبض] انفسخ بيع الدينار بالعشرة المطلقة مقتضى به، كما في قوله: اعتق عبدك عني على ألف، وإذا انفسخ بيع الدينار بالعشرة بقى إيفاء الدينار بالدراهم التي عليه، فيصير صرفاً بدين سبق وجوبه، وذلك جائز؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنه-: أنه سأل رسول الله -عليه السلام- فقال: إني أكتري إبلاً بالبقيع إلى ملكه بالدراهم، وآخذ مكانها دنانيراً وقال: بالدنانير وآخذ مكانها دراهم، فقال -عليه السلام-: «لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل» (١)، وهذا وجه اختاره مشايخ العراق، [قال مشايخنا]: وهذا غير سديد؛ لأنه لو انفسخ الصرف الأول يجب على مشتري الدينار رد الدينار على البائع بحكم الإقالة؛ لأن إقالة الصرف لها حكم الصرف، ولهذا لو جعل بدل الصرف قصاصاً بدين تأخر وجوبه بعقد باشر بعد الصرف في المجلس لا يجوز، ولو أمكن تصحيح المقاصة بالدين المتأخر في مسألتنا بانفساخ العقد الأول، وتجديد العقد كما لو قالوا: أمكن تصحيح المقاصة، ويصير الدين المتأخر بمنزلة المتقدم، والوجه الصحيح أنهما لما أقدما على المقاصة وجب تصحيحها ما أمكن، وأمكن تصحيح المقاصة بأن يجعل العقد المضاف إلى الدراهم المطلقة مضافاً إلى الدراهم الواجب يقبل الصرف، [فيكون] تغييراً لوصف العقد مع بقاء أصل العقد كما قلنا في الزيادة على الثمن.

بخلاف ما إذا جعله قصاصاً بدين متأخر، صورته إذا اشترى ديناراً بعشرة دراهم، وقبض الدينار ولم ينقد الدراهم، حتى لو باع في المجلس ثوباً من بائع الدينار بعشرة دراهم، وجعلا ثمن الثوب قصاصاً ببدل الصرف، ذكر في رواية أبي سليمان -رحمه الله-: أنه يجوز، وفقهه: ما ذكرنا لمشايخ العراق، وذكر في رواية أبي حفص -رحمه الله-: لا يجوز، فعلى رواية أبي حفص -وهو الصحيح- يحتاج إلى الفرق بين الدين المتقدم والمتأخر، والفرق أن العقد إذا تغير تصحيحًا للمقاصة بالدين المتقدم يصير كأنهما باشرا العقد في الابتداء إلى دين سبق وجوبه، وذلك جائز، وفي الدين المتأخر يصير كأنهما باشرا العقد في الابتداء إلى دين سيحدث، وذلك باطل لو نص عليه.


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٥٥٥٥)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في اقتناء الذهب من الورق (٣٣٥٤)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في الصرف (١٢٤٢)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة (٤٥٨٢)، (٤٥٨٣)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب اقتناء الذهب من الورق والورق من الذهب (٢٢٦٢).