للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبخلاف ما لو جعلا رأس مال السلم قصاصاً بدين سبق وجوبه؛ لأن المسلم فيه دين، ولو صحت المقاصة برأس المال يصير افتراقاً عن دين بدين، وذلك حرام بالنص، أما ههنا أحد العوضين وهو الدينار مقبوض، فلو صحت المقاصة يصير افتراقاً عن عين بدين، وهو غير منهي، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان، والفوائد الظهيرية (١)، جئنا إلى لفظ [الكتاب وقوله: ومعنى المسألة إذا باع بعشرة مطلقة، أي من غير أن يقيد بذلك بأن قال: بالعشرة التي عليه]، قيد بذلك فقال: بالعشرة التي عليه يجوز البيع بلا خلاف، وقد ذكرناه بخلاف المطلقة، فإن ذلك جائز عندنا، وهو جواب الاستحسان، وقال زفر: لا يجوز، وهو جواب القياس، وقد ذكرناه، ووجهه أي وجه جواب الاستحسان يجب تعينه بالقبض؛ لما ذكرنا، وهو قوله: ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق؛ لما روينا من قوله -عليه السلام-: «يدًا بيد» (٢)، فلا تقع المقاصة لعدم المجانسة؛ لأنه لا مجانسة بين العين والدين، فإن بدل الصرف يجب أن يكون معينًا بالقبض؛ لما روينا، وهذا دين سبق وجوبه، فينبغي أن لا يجوز، وإن تقاصا كما في السلم فإنه لا يجوز في الدين السابق، بأن أسلم بدين في ذمة المسلم إليه قبل عقد السلم، فإنه لا يجوز، لكن في صورة المقاصة في الصرف يجوز؛ لما ذكر في الكتاب، فإذا تقاصا يتضمن ذلك فسخ الأول، والإضافة إلى الدين بنصب الإضافة بالعطف على فسخ، يعني عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا الأول، ثم جدداه مضافاً إلى ذلك الدين.

فإن قيل: في هذا يلزم الدور، فيجب أن يثبت واحد منهما، أي من الفسخ والمقاصة، وذلك لأن المقاصة إنما صحت إذا كان وجوب بدل الصرف قائمًا، فإذا بطل عقد الصرف بالفسخ كيف توجد المقاصة، والمقتضى هو الفسخ، إنما يكون لتصحيح المقتضي، وهو المقاصة، فيبطل المقتضي ههنا عند تحقيق المقتضي؛ لأنه لو بطل الصرف لأجل الاحتراز عن الاستبدال ببدل الصرف بطل المقاصة، إذ المقاصة تقتضي قيام وجوب دين الصرف، فلا يثبت واحد منهما.

قلنا: إنما يبطل بالمقاصة إذا لم يتحدد عقد جديد عند بطلان عقد الصرف، وهنا عند بطلان عقد الصرف صارا كأنهما حددا عقدًا جديدًا، فيصح المقاصة بدين سابق.

فإن قيل: لو فسخ الصرف ضمنًا للمقاصة ينبغي أن يكون القبض شرطًا؛ لأن الإقالة بيع في حق الثالث والشرع ثالثهما، فكان بيعًا جديدًا في حقه.


(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٤٠).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (١٥٨٧)، من حديث عبادة رضي الله عنه.