للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: صارت الإقالة ههنا في ضمن المقاصة، فجاز أن لا يثبت حكم البيع بمثل هذه الإقالة، بل حكم البيع لها في حق الثالث فيما إذا كانت الإقالة ثابتة قصدًا.

وفي الإضافة إلى الدين، أي إلى العشرة التي عليه، هذا إذا كان الدين سابقاً [عليه]، أي على عقد الصرف، ولو كان لاحقاً بأن اشترى ديناراً بعشرة دراهم، وقبض الدينار، ثم إن مشتري الدينار باع الثوب من بائع الدينار [بعشرة دراهم] على ما ذكرناه، فأراد أن يتقاصا، قال شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- (١): لا تجوز المقاصة هنا؛ لأن الدين لاحق، والنبي -عليه السلام- جوّز المقاصة في دين سابق قبل عقد الصرف، وهو ما ذكرناه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وفي رواية: تقع المقاصة، وهو الأصح، وهو رواية أبي سليمان (٢)، هكذا اختاره أيضاً فخر الإسلام -رحمه الله- (٣).

وأما شمس الأئمة السرخسي وقاضي خان -رحمهما الله- اختارا عدم الصحة، وهو رواية أبي حفص -رحمه الله- (٤)، وقد ذكرناها، فوجه الصحة: هو أن عقد الصرف ينتقص بإرادتهما المقاصة، وصارا كأنهما جددا عقدًا جديدًا، فكان الدين سابقاً على المقاصة، فصار كأنه اشترى بعشرة دراهم بدل الدينار العشرة التي هي بدل الثوب فصحت المقاصة.

الغلة من الدراهم المقطعة التي في القطعة، منها: قيراط أو طسوح أو حبة، كذا في المغرب (٥).

فيردهما بيت المال، لا لزيادتها، بل لكونها قطعًا، ووجهه تحقق المساواة، وما عرف من سقوط اعتبار الجودة، أي الذي عرف من اعتبار سقوط الجودة؛ لقوله -عليه السلام-: «صدقا وردها سواء» (٦)، أي لوجود علة الجواز التي هي علة ذات وصفين، وهما المساواة وسقوط الجودة، ولما كان كذلك صرفت الصحاح بمقابلة الغلات، لا أن يجعل الصحيحات بمقابلة الغلة، ولا الغليان بمقابلة الصحيح، فلسقوط الجودة اشترطت المساواة في الوزن في جنس الدراهم عند المقابلة، وفي ذلك لا يتفاوت الحكم بين الدرهم الصحيح والغلة، وكذا لا يجوز الاستقراض بها إلا وزنًا أي لا عددًا [كما] في الفلوس، وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير؛ اعتباراً للغالب، وهذا الذي ذكره إذا كانت الفضة لا يخلص من الغش؛ لأنها صارت مستهلكة فلا اعتبار بها، وأما إذا كانت تخلص من الغش فليست بمستهلكة، كذا ذكره في شرح الأقطع (٧).


(١) المبسوط (١٤/ ١٩).
(٢) موسى بن سليمان أبو سليمان الجوزجاني سمع: عبد الله بن المبارك، وعمرو بن جميع، وكان فقيها بصيرا بالرأي، يذهب مذهب أهل السنة في القرآن، وسكن بغداد، وحدث بها، فروى عنه عبد الله بن الحسن الهاشمي، وأحمد بن محمد بن عيسى البرتي، وبشر بن موسى الأسدي. وَقَالَ ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي، وسئل عنه، فقال: كَانَ صدوقًا. تاريخ بغداد (١٥/ ٢٦).
(٣) المبسوط (١٤/ ٢٠).
(٤) أحمد بن حفص أبو حفص الكبير. أخذ عن محمد بن الحسن. وله أصحاب كثير ببخارى. كان في زمن محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح، توفّي بِمصْر فى سنة أَربع ورابعين وَثَلَاث مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقيل سنة سِتّ وَرمي بالإعتزال. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٦٨)، تاج التراجم (١/ ٩٤).
(٥) المغرب (١/ ٣٤٤).
(٦) هذا اللفظ غير محفوظ، ولكن معناه في حديث بيع التمر الجمع بالجنيب الذي أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (٢٢٠١)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (١٥٩٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) الأقطع - أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نصر الْبَغْدَادِيّ أَبُو نصر الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالأقطع توفى برامهرمز سنة ٤٧٤ ارْبَعْ وَسبعين وأربعمائة لَهُ شرح مُخْتَصر الطَّحَاوِيّ. هدية العارفين (١/ ٨٨).